للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ووراء هذا وذاك أولياؤه وأقرباؤه يدخلون عليه من كل باب يحملون إليه من مختلف الهدايا ما يظنون أنه من دوائه، وما هو في الحقيقة إلا من بلائه، فلا يلبث هذا المسكين أن تشتد عليه الأدواء، وأن مصبح في حال لا يرجى له معها شفاء

مما لا ريب فيه أن جسم الأمة مريض بعلل شتى قد غيرت القرون عليها حتى أعضل أمرها، ولكن مما لا خلاف فيه كذلك أن لكل داء دواء يستطب به، على أن يتولاه بالعلاج طبيب نظامي يقوم عليه وحده، ولا يشاركه في تمريض المريض غيره

وإذا كنا ندعو بكلمتنا هذه إلى اتباع تلك الطريقة القويمة التي لا يؤخذ بأسباب أي إصلاح إلا باتباعها، فإنا نذكر قومنا بأن لكل إصلاح (أساساً ثابتاً) يقوم عليه، وأساس الإصلاح الاجتماعي - بل والديني - في بلادنا إنما يقوم على (تطهير العقائد من دنس الوثنيات، وفك العقول من أغلال الأوهام والخرافات)؛ وهذا الأساس لم نفتجره من عندنا، ولا هو ببدع جديد لنا، وإنما وضعه من قبلنا الأنبياء المرسلون والزعماء المصلحون. وبحسبك أن تعلم أنه لما قام رسول الله (ص) بدعوته جعل همه كله في القضاء على البدع والوثنيات التي تدسست إلى العقائد فأفسدتها، والأوهام والترهات التي غشت الأفهام فكبلتها، وقد جعل هذا الجهاد أساس دعوته فلم يأت للناس بشيء من التكاليف الشرعية ولا أمرهم بأداء فرض من الفروض الدينية، إلا بعد أن خلصت العقائد من لوثاتها، ونشطت العقول من أغلالها، وأصبحت الأمة كلها على دين واحد من التوحيد الخالص. وأنه صلوات الله عليه لم يفعل ذلك إلا لأن التوحيد الخالص هو كما قال الأستاذ الإمام: (كمال الإنسان، وأنه إذا سلمت العقائد من البدع تبعها سلامة الأعمال من الخلل)

وإذا أنت رميت إلى تاريخ (لوثر) مصلح أوربا العظيم تجد نور هذه الحقيقة أمامك ساطعاً، إذ أنه بعد أن قام بدعوته وطهر المعتقدات مما كانت قد تلوثت بها، دخلت أوربا في طور جديد من الإصلاح ظل يؤتى ثمره حتى صارت على ما هي فيه آلات مدنية وحضارة وعزة وقوة. ولقد قال توماس كارليل في تاريخ لوثر في كتاب الأبطال: إن على دعوته قد قامت دعائم الدستور الإنجليزي وبرلماناته والحرية الأمريكية واستقلالها والثورة الفرنسية ونتائجها

إن كثيرين ممن يتصدون للإصلاح (الكلامي) يستهينون بأمر البدع والخرافات، وبعض

<<  <  ج:
ص:  >  >>