للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هؤلاء يجعل من إصلاحه أن تظل هذه العلل تنخر في عظام الأمة، لأنها (بزعمه) مما ينفع العامة. ولو هو تدبر الأمر بفكر الحكيم لعلم أنه ما أنهك جسم الأمة، ولا قضى على كل فضيلة فيها إلا تلك البدع والخرافات. ولقد أصاب السيد جمال الدين الأفغاني في قوله: (إن خرافة واحدة قد تقف بالعقل عن الحركة الفكرية وتدعوه بعد ذلك أن يحمل المثل على مثله فيسهل عليه قبول كل وهم وتصديق كل ظن، وهذا مما يوجب بعده عن الكمال، ويضرب له دون الحقائق ستاراً لا يخرق)

وإن للأستاذ الإمام محمد عبده لحكمة جليلة يجب على كل مصلح أن يتبعها ويسير على هداها وهي (إن نجاح هذه الأمة إنما يكون بحسن التربية، ولا سبيل إلى التربية فيها إلا بإصلاح معتقداتها وتصحيح ملكتها حتى تستقيم بذلك أعمالها وتصلح أحوالها)

ولشيخه السيد جمال الدين منهج في إصلاح الاجتماع وإسعاد الأمم جعل الأمر الأول منه (صفاء العقول من كدر الخرافات وصدأ الأوهام، فإن عقيدة وهمية لو تدنس بها العقل لقامت حجاباً كثيفاً يحول بينه وبين حقيقة الواقع، ويمنعه من كشف نفس الأمر. وأول ركن يبنى عليه الدين الإسلامي (هو) صقل العقول بصقال التوحيد وتطهيرها من لوث الأوهام، فمن أهم أصول العقائد أن الله منفرد بتصريف الأكوان متوحد في خلق الفواعل والأفعال؛ وإن من الواجب طرح كل ظن في إنسان أو جماد علويا كان أو سفليا بأن له في الكون أثراً بنفع أو ضر أو إعطاء أو منع أو إعزاز أو إذلال)

ومن أجل ذلك كان أول عمل قام به السيد بمصر أن (وجه عنايته لحل عقل الأوهام عن قوائم العقول فنشطت لذلك ألباب واستضاءت بصائر)

ومن كان رحمه الله في جميع أوقات اجتماعيه مع الناس لا يسأم من الكلام فيما ينير العقل أو يطهر العقيدة أو يذهب بالنفس إلى معالي الأمور)

هذا هو أساس الإصلاح الذي يكون كل ما يبنى عليه قوى الأركان شديد البنيان، وكل إصلاح يقوم على غير هذا الأساس فإنما يكون مصيره ولا ريب الإخفاق والخيبة

وإنا نرسل اليوم هذه الصيحة من فوق منبر الرسالة لكي تبلغ المسئولين في بلاد الشرق كافة، فينهضوا جميعاً في حزم وقوة، وفي غير هوادة ولا لين، ليضعوا هذا الأساس بأيديهم ثم يقيموا عليه بعد ذلك ما يقيمون من إصلاح وما يبنون من أعمال

<<  <  ج:
ص:  >  >>