ومما يظهر هذه الحاجة بجلاء أعظم، ويبرهن على هذه الضرورة بوضوح أتم، أن الأبحاث والدراسات المنشورة عن ابن خلدون باللغة العربية، قليلة جداً، بالنسبة إلى ما نشر عنه في اللغات الأخرى، ولا سيما في اللغات الأوربية. وهناك عدد غير قليل من الدراسات العلمية القيمة عن ابن خلدون وآرائه المختلفة، لم تنقل بعد إلى العربية
ومن الغريب أن أهم الدراسات التي كتبت بأقلام بعض الشبان العرب أيضاً. ظلت خارجة عن نطاق (المطبوعات العربية) إلى الآن؛ فقد نشر الدكتور كامل عياد - من الشام - أطروحة باللغة الألمانية، سنة ١٩٣٠ عن (نظرية ابن خلدون في التاريخ والاجتماع)؛ كما نشر الدكتور صبحي المحمصاني - من بيروت - أطروحة باللغة الفرنسية، سنة ١٩٣٢، عن (آراء ابن خلدون الاقتصادية). . . وكلتا الأطروحتين لم تترجم إلى العربية، بالرغم من مرور اثنتي عشر سنة على نشر الأولى، ومرور عشر سنوات على نشر الأخرى؛ فاستفادة مستنيري العرب من الأطروحة الأولى لا تزال موقوفة على معرفة الألمانية، كما أن الاستفادة من الثانية لا تزال تتطلب معرفة الفرنسية. . .
وإنني أعتقد، لذلك، كل الاعتقاد بأن الجيل المثقف الحاضر مقصر في أداء واجباته نحو هذا المفكر العربي العظيم تقصيراً كبيراً
إن هذا التقصير الكبير، لا يتجلى في (ضآلة الدراسات) فحسب، بل يظهر في (رداءة الطبعات) أيضاً: فإن جميع طبعات المقدمة التي صدرت عن مطابع القاهرة وبيروت وانتشرت في جميع أنحاء العالم العربي، مشوبة بنواقص كثيرة وأغلاط فادحة
ذلك لأن جميع هذا الطبعات منقولة عن طبعة بولاق التي قام بأعبائها الشيخ نصر الهوريني في القاهرة، قبل مدة تزيد على ثمانية عقود من السنين. والشيخ الهوريني كان بعيداً - بطبيعة ثقافته - عن إدراك المبادئ الأساسية التي يجب مراعاتها في نشر مثل هذه المؤلفات القديمة.
فجميع الطبعات الشرقية تكاد تكون خالية من الشروح والتعليقات: فإن الشروح القليلة المبعثرة فيها لو جمعت في محل واحد لما ملأت أكثر من ثلاث صفحات. زد على ذلك أن هذه الشروح قلما تحرج عن نطاق (الإيضاحات اللغوية) فإنها لا تستهدف - على الغالب - شيئاً غير ذكر معاني بعض الكلمات. هذا مع أن الترجمة التركية موشاة ببعض الإيضاحات