المطولة؛ والترجمة الفرنسية مملوءة بمئات ومئات من الشروح والتعليقات التي تحوم حول المعلومات اللغوية والأدبية والجغرافية والتاريخية الضرورية لفهم أبحاث المقدمة حق الفهم
ومما يلفت الأنظار في هذا الصدد، أن الطبعات المتداولة مشوبة بعدد غير قليل من الأغلاط المطبعية التي تغير معنى العبارات تارة، وتجردها من كل معنى معقول تارةً أخرى، وتقلب معناها رأساً على عقب في كثير من الأحوال
مثلاً: إن بعض الطبعات مسخت كلمة (اليقين) إلى شكل (أينين) فابتدعت هذه العبارة الغريبة: (قال كبيرهم أفلاطون إن الإلهيات لا يوصل فيها إلى أينين). كما أنها حرفت (الحقيقة المتعقلة) وجعلتها (الحقيقة المتعلقة)، واستبدلت بعبارة (يحلق فوقها) عبارة (يلحق فوقها). إنها مسخت (العلوم الآلية) مسخاً غريباً، حولها إلى (العلوم الإلهية)؛ وحرفت تركيب (سن بكره) وجعلته (بين نكرة) فجردته بذلك عن كل معنى معقول: كما حولت (عالم القردة) إلى (عالم القدرة)، فغيرت المعنى المقصود تغييراً هائلاً
وقد تطفلت بعض الطبعات بزيادة أداة (إلا) في جملة نافية، فقلبت معناها رأساً على عقب؛ وبعكس ذلك قد حذفت كلمة (ليس) من عبارة أخرى، فجردتها من كل معنى مفهوم، كما أنها أسقطت عدة كلمات من بعض العبارات، من غير أن تنتبه إلى أن ذلك قد جعل العبارة عديمة المعنى
ومن الأمور الغريبة أن الطبعات المصرية والشامية ناقصة من حيث المتون والفصول أيضاً: فإذا قارنا إحدى هذه الطبعات بطبعة باريس التي تعهدها المستشرق (كاترمير) - في نفس السنة التي كان قد أتم فيها الشيخ نصر الهوريني طبعة بولاق في مصر - نجد أنه ينقص منها أحد عشر فصلاً كاملة من الفصول المهمة، كما ينقص منها عدد غير قليل من الأبحاث والفقرات من الفصول المختلفة. وإذا أحصينا مجموع صفحات هذه الفصول والفقرات الناقصة نجدها تزيد على الستين
ومن الغريب أن طبعات مقدمة ابن خلدون المنشورة في العالم العربي ظلت على هذه الحال من النقص المعيب منذ مدة تزيد على ثلاثة أرباع القرن. . . ومن الأغرب أن الأبحاث والدراسات المنشورة بالعربية عن مقدمة ابن خلدون لم تنتبه إلى هذا النقص فلم تعمل على تلافيه، ولم تلفت الأنظار إليه إلى الآن