ومن المضحك حقاً أن تجد مدرس النحو أو الصرف أو البلاغة أو مفسر النصوص العربية من شعر ونثر يلقي دروسه وقواعده بلغة عامية، لا يراعي ما يقول من قوانين، ولا يقوم لسانه بما يسرد من قواعد
فأما الكتابة والقراءة بها، فلا يقرأ باللغة الفصحى ولا يكتب إلا فئة قليلة، تمكنت من حفظ لسانها من الخطأ عند القراءة والكتابة، وجمهرة المتعلمين لم يصلوا إلى هذه المنزلة، فالشاب يتخرج في المدرسة، أو في المعهد، ولسانه لا يكاد يقيم جملة، أو يعرب كلاما، ولا يستطيع أن يعبر عن خلجات نفسه بأسلوب صحيح مستقيم
وإذا لم يكن هذا إخفاقا، فماذا يكون الإخفاق؟
وكما لم توفق مدارسنا في الغاية لم توفق في الوسيلة، أو قل أنها لم توفق في الغاية لأنها لم توفق في الوسيلة؛ فالوسيلة إلى تعلم اللغة هي دروسها، ولما تستطع مدارسنا أن تحببها إلى التلاميذ، فهم يأتون إليها متثاقلين، ويستمعون إليها كارهين، وهم يبغضونها بغضاً يملأ ما بين جوانحهم. فالنحو عندهم ثقيل بغيض، وكذلك الصرف، وعلم البيان الذي قال فيه بعض العلماء - أنه لا ثواب في تعلمه - يشير إلى أنه لا مشقة فيه على المتعلم، وهو يطلب لما فيه من لذة، فجزاؤه فيه، قد بغضته إليهم هذه المدارس أيضاً؛ وليس العيب في ذلك على الشباب، لأنهم يدرسون الهندسة والحساب والطبيعة في غير ضيق ولا حرج، بل يدرسونها في شغف ومحبه، إنما العيب على دروس اللغة العربية وحدها.
فلا عجب بعد ذلك إن لم ينتفعوا بهذه الدروس، لأن الانتفاع بالشيء على قدر المحبة له، والرغبة فيه
هذا شيء مخيف حقاً، له نتائجه الخطيرة، فإما أن نعمل على تسهيل الانتفاع باللغة العربية وتيسيرها على الدارسين والمتعلمين وتزيين علومها في قلوبهم، وإما أن نتحمل أمام التاريخ والأجيال عواقب هذا التفريط والإهمال، لأن الشيء البغيض المملول لا يعمر طويلاً، ولا يمكن أن يكره الناس عليه دائماً
وهناك أمر آخر ينتج من الخيبة في تعليم اللغة العربية، يخشاه رجال الاجتماع أعظم الخشية، ويشفقون منه أشد الإشفاق، وهي بقاء الحال على ما هي عليه في مصر، من