اصطناع لغة للخطاب، وأخرى للكتاب، بينها وبين جمهور الشعب بون شاسع، وعقاب صعاب
وإنما كانوا يخشون، ويشفقون منه، لأن ذلك يؤدي إلى إطالة أمد جهل الأمة وتأخرها، لأن العلم والأدب قد كتبا بلغة لا يفهمها جمهور الشعب، وهي العربية، فلا سبيل إلى وصوله إليها
أما إذا نجحت المدرسة في تعليم العربية، وتكلم بها المتعلمون وهم مخالطون للشعب، فعلى مرور الزمن يسهل عليه فهم اللغة العربية ويتسرب إليه كثير من مفرداتها وتراكيبها، وربما علمها فصار لغة الخطاب، لغة الكتاب، وهذا كسب ليس بالقليل، فكل ما كتب من علوم وأخلاق وآداب يكون حينئذ في متناول جمهور الشعب، فيرقى إلى الذروة التي ينشدها له المصلحون
وهناك طائفة من رجال الاجتماع ترى أنه إذا خابت المدرسة في تعليم العربية، وخابت الأمة في اصطناعها ورفع لغة الحديث إلى اللغة التي تكتب بها العلوم والآداب، فلا مناص من كتابة العلوم والآداب باللغة التي تفهمها الأمة، لتنتفع بها، ولتبلغ الأمل المنشود، لأنه خير للأمة أن تخسر اللغة العربية وتكسب العلم الذي به نماء عقولها، والآداب التي بها تقويم أخلاقها، من أن تربح العربية وتخسر العلم والأدب
فأنتم ترون أن الأمر جد خطير، وأنه يعني حياة اللغة العربية أو موتها، ونجاح المتعلمين في تعلمها أو إخفاقهم، ورقي الأمة أو انحطاطها
لذلك يجب أن نعمل جاهدين، وأن نجهد مخلصين، حتى نعرف الأسباب في هذا الإخفاق، وأن نفعل الممكن وغير الممكن لنجعل تعليمها ناجحاً، ولنحبب درسها إلى التلاميذ، وبذلك نتقي هذه النتائج السيئة، ونوفر على الشباب وقته وجهوده ونحمي اللغة العربية من الضياع والموت
هذا ما دعا رجال العلم إلى معالجة هذه المشكلة
وهذا ما دعاني أيضاً إلى أن ألقي بدلوي في الدلا، وسأعرض بحثي على القارئين، أو أولي الأمر في مصر، ولعل هذه الدعوة تلقى ما أقدره لها من توفيق - إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله