أكتاف العز، وقصاراى أن أرغب إلى الله تعالى في ألا ينيلهم فوق الكفاية، ولا يمد لهم في حبل الرعاية، فشد ما يطغون للنعمة ينالونها، والدرجة يعلونها، وسرع ما ينظرون من عال، بما ينظمون من حال، ويجمعون من مال، وتنسيهم أيام اللدونة، أوقات الخشونة، وأزمان العذوبة، ساعات الصعوبة، وللكتاب مزية في هذا الباب، فبيناهم في العطلة إخوان، كما انتظم السمط، وفي العزلة أعوان، كما انفرج المشط، حتى لحظهم الجد لحظة حمقاء بمنشور عمالة، أو صك جعالة، فيعود عامر ودهم خرابا، وينقلب شراب عهدهم سرابا، فما علت أمورهم، حتى اسبلت ستورهم، ولا غلت قدورهم، إلا خلت بدورهم الخ
ويجمع نثر بديع الزمان الرسائل والمقامات:
١ - الرسائل
لبديع الزمان ثلاث وثلاثون ومائتا رسالة تناول فيها أغراضاً كثيرة.
والرجل دراك حساس، إذا سلط فكره إلى موضوع أضاءت له جوانبه كلها، ثم وضحت أمامه طرائق البيان، فهو مبين عن كل معنى بطرق مختلفة من التصوير والتمثيل، يسايره القاري فيها. وهو معجب متعجب. انظر قوله في بعض السلاطين: (قد علم الشيخ أن ذلك السلطان سماء إذا تغيم لم يرج صحوه، وبحر إذا تغير لم يشرب صفوه، وملك إذا سخط لم ينتظر عفوه، فليس بين رضاه والسخط عرجة، كما ليس بين عضبه والسيف فرجة، وليس بين من وراء سخطه مجاز، كما ليس بين الحياة والموت معه حجاز، فهو سيد يغضبه الجرم الخفي، ولا يرضيه العذر الجلي، وتكفيه الجناية وهي إرجاف، ثم لا تشفيه العقوبة وهي إجحاف، حتى إنه ليرى الذنب وهو أضيق من ظل الرمح، ويعمى عن العذر وهو أبين من عمود الصبح، وهو ذو اذنين يسمع بهذه القول وهو بهتان، ويحجب بهذا العذر وهو برهان، وذو يدين يبسط إحداهما إلى السفك والسفح، ويقبض الأخرى عن العفو والصفح، وذو عينين يفتح إحداهما إلى الجرم، ويغمض الأخرى عن الحلم، فمزجه بين القد والقطع، وجده بين السيف والنطع، ومراده بين الظهور والكمون، وأمره بين الكاف والنون، ثم لا يعرف من العقاب، غير ضرب الرقاب، ولا يهتدي من التأنيب، إلا لإزالة النعم، ولا يعلم من التأديب، غير إراقة الدم، ولا يحتمل الهنة على حجم الذرة، ودقة الشعرة، ولا يحلم عن الهفوة، كوزن الهبوة، ولا يغضي عن السقطة، كجرم النقطة، ثم أن