للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

النعم بين لفظه وقلمه، والأرض تحت يده وقدمه، لا يلقاه الولي إلا بفمه، ولا العدو إلا بدمه، والأرواح بين حبسه وإطلاقه، كما الأجسام بين حله ووثاقه، ونظرت فإذا أنا بين جودين: إما أن أجود بباسي، وإما أجود برأسي، وبين ركوبين: إما المفازة، وإما الجنازة، وبين طريقين: إما الغربة، وإما التربة، وبين فراقين: إما أن أفارق أرضي، أو أفارق عرضي، وبين راحلتين: إما ظهور الجمال، أو أعناق الرجال، فاخترت السماح بالوطن، على السماح بالبدن، وأنشدت؛

إذا لم يكن إلا الأسنة مركبا ... فلا رأي للمضطر إلا ركوبها

ويقول في رسالة كتبها إلى القاضي أبى القاسم يذم أحد القضاة (فولي المظالم وهو لا يعلم أسرارها، وحمل الأمانة وهو لا يعرف مقدارها، والأمانة عند الفاسق، خفيفة المحمل على العاتق، تشفق منها الجبال، وتحملها الجهال، وقعد مقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بين كتاب الله يتلى، وحديث رسوله يروى، وبين البينة والدعوى، فقبحه الله من حاكم لا شاهد أعدل عنده من السلة والجام، يدلى بهما إلى الحكام، ولا مزكي أصدق لديه من الصفر، ترقص على الظفر، ولا وثيقة احب إليه من غمزات الخصوم، على الكيس المختوم، ولا وكيل أوقع بوفاقه من خبيثة الذيل، وحمال الليل، ولا كفيل أعز عليه من المنديل والطبق، في وقتي الغسق والفلق، ولا حكومة ابغض إليه من حكومة المجلس، ولا خصومة أوحش لديه من خصومة المفلس، ثم الويل للفقير إذا ظلم، فما يغنيه موقف الحكم، إلا بالقتل من الظلم، ولا يجيره مجلس القضاء، إلا بالنار من الرمضاء، وأقسم لو أن اليتيم وقع في أنياب الأسود، بل الحيات السود، لكانت سلامته منهما أحسن من سلامته إذا وقع بين غيابات هذا القاضي وأقاربه، وما ظن القاضي بقوم يحملون الأمانة على متونهن ويأكلون النار في بطونهم، حتى تغلظ قصراتهم من مال اليتامى، وتسمن أكفالهم من مال الايامى، وما ظنك بدار عمارتها خراب الدور، وعطلة القدور، وخلاء البيوت، من الكسوة والقوت، وما قولك في رجل يعادي الله في الفلس، ويبيع الدين بالثمن البخس، وفي حاكم يبرز في ظاهر أهل السمت، وباطن أصحاب السبت، فعله الظلم البحت، وأكله الحرام السحت، وما رأيك في سوس لا يقع إلا في صوف الأيتام، وجراد لا يسقط إلا على الزرع الحرام، ولص لا ينقب إلا خزانة الاوقاف، وكردي لا يغير إلا على الضعاف، وذئب لا يفترس عباد الله لا بين

<<  <  ج:
ص:  >  >>