ومما يظفر أيضاً من القارئ برضاه واهتمامه شخصية (أمنوفيس) أبي إخناتون، وما كان فيه من مجانة وطرب، وفلسفته الظريفة في تذوق الملاحة النسائية، وتخريجه الساخر لمعنى الوفاء للمرأة، ثم ما كان في حياة أخناتون مع زوجته (نفرتيتي) من تعاطف رائع وأنس وسعادة، ثم سذاجة (تاي) المربية المسرفة في إعجابها بزوجها، والتي تحزن لمرض (أخناتون) الأخير. ولكنها لا تتمالك إذ تراه بطالع اللانهاية في عيني نفرتيتي، أن تقول: آه. . . يا ليت (آي) يطالع في عيني شيئاً! وكذلك شجاعة القائد (حور محب) وإخلاصه، وبلاهة (سمنتارا) وحقارته!
ونزعة المؤلف في الأسلوب تظهر في المسرحية إذ تقرر أن الديانات قد يعوزها أن تحمي نفسها بالسيف، وإن الركون إلى السلام مفض لا ريب لفقد الممالك وسقوط الدين معاً
ورأي المؤلف في التناسخ طريف وجميل وليس فيه ما يتحرج منه
وبعد، فأود أن أصارح صديقي المؤلف أنه كان أولى به أن يدع الأمير (إخناتون) يحدثنا بنفسه عن الآلام التي كان يصطخب بها قلبه في أعماقه بدل أن يحدثنا بها كبير الكهنة
حقاً لقد راقب كبير الكهنة الأمير من بعيد قرابة شهر بحيث يراه ولا يدري مكانه، فهو يتحدث عنه على ضوء ما شاهد؛ ولكن هذه المراقبة إن كفلت له الحديث الصادق عن مظاهر أحزان الأمير، فليست بكافلة له أيضاً الحديث المسموع عن حشاشته التي تسيل زفرات، وصبره الصامت الذي يكبت من حزنه الصارخ، ونسيانه يومه وحنينه إلى أمسه الماضي وتفكيره في غده الآتي ووراء غده، وعن هفو أضالعه. . . الخ
وأنا بعد أفهم أن الرسول هو بطبيعته وطوال حياته آخر من تعصف المصائب بإيمانهم، ولكن إخناتون الذي تدور المسرحية على كونه رسولاً، يسرف في الكفر: يكفر عند موت زوجته الأولى كفراً هائلاً، ثم يؤمن حتى يسعد بزوجته الجديدة، ثم يضطلع برسالته مخلصاً مطمئناً، فإذا أحس الفشل عاد كافراً يتشكك، ثم تخر صاعقة بقرب القصر فيزداد كفراً، وينسى رسالته في صميمها، فإذا استمع إلى كلام (حور محب) الذي يحاوره في براعة ولطف عاد مؤمناً، فاستغفر لذنبه، وذكر أنعم ربه. . .
وأشخاص الرواية هم إخناتون وأهله ورجال القصر والكهنة فأين ابن الوطن؟ أين هو