الإنجليزية للوصول بتمثيلياتها إلى حد الكمال. فهذه لندن، وتلك دبلن، ثم يورك وشستر وكوفنتري ولانكاستر. . . وكل المدن الكبيرة وكثير من أمهات القرى الإنجليزية، تبذل من العناية والمال في ذلك ما كانت تبذله أثينا من مدن اليونان القديمة. بل ربما زادت عليها كثيراً
وكانت كل نقابة تصنع مسرحاً متحركاً فوق عجلات أربع أو ست، مركب من طابقين يستعمل الممثلون السفلي منهما لتبديل الملابس ولعمل الدمام (المكياج) وتؤدي التمثيليات في الطابق العلوي. وكانت هذه العربة أو ال تطلى بألوان غريبة تلفت النظر، وكانوا يستعينون على تكوين المناظر بوسائل فجة، فكان السحاب مثلاً يرمز إليه بأقمشة داكنة أو بيضاء حسب المنظر المطلوب. فإذا كان المراد أن يبرز ملاك من بين السحب انفجرت سحابتان وبرز من بينهما تمثال خشبي لهذا الملاك؛ أما الشجر فكان يمثل بأشجار اصطناعية، وكذلك البيوت والمدن والقلاع والحصون. كما كان يرمز إلى الجحيم بوجه كبير مسخ، ذي أنف أحمر ضخم، وفم مهول تبرز منه أنياب مرعبة متحركة. أما العينان فكانتا كوتين كبيرتين في هذا الوجه، وكان يوضع خلفهما مشعلان فينفذ اللهب من الفجوتين فيضاعف في شناعة ذاك الوجه. وكانوا يستعينون ببرميل ضخم يطبلون داخله بآله لأحداث صوت الرعد، أما العواصف فكانوا يحدثونها بنفخ قرب كبار تشبه منفاخ الحدادين، ثم يسلطون الهواء المنبعث منها على أقمشة رقيقة فتوهم الأثر المنشود
وكانت الجياد تجر هذا المسرح من حي إلى حي، ومن ملتقى شارع كبير بشارع كبير آخر، ومن ميدان إلى ميدان. وفي كل من هذه (المواقف) تمثل رواية من تلك الروايات القديسية فيجتمع الناس، ويزاحم الشعب بالمناكب، ويتركون متاجرهم مدفوعين بعامل حب الاستطلاع، والتفرج بالمجان بهذه الفرج المليحة التي تنشر الهدى، وتسكب النور في ظلمات القلوب، وتفتح أبواب الجنة للضالين، على حد ما وصف أحد القسيسين تلك المسارح. وكان الجمهور لهذا السبب ينتظر أعياده ويرتقبها بصبر فارغ وتشوف عظيم، لينعم بشهود تلك الدرامات التي يلتمس فيها مثله. وكان التمثيل يبدأ قبيل العيد بأيام وينتهي بعيده بأيام أخرى، ولذلك فطالما كانت الأعياد الدينية تنقلب فتكون مواسم تمثيلية يتثقف بها الشعب ويتصل فيها بالقديسين والشهداء من أبطاله الدينين اتصالاً وثيقاً. وكانت النقابات