للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأظن أن القراء آمنوا بذلك لما أوردته من الأدلة

وقد بقى أن أقول في القضية الأخرى وهي أن الملكة لا تكتسب بقواعد وإنما تكتسب بالمزاولة والتكرار

إذا استقريت الملكات ولاحظت كيف تتكون علمت أن الملكات لا تكتسب إلا بالدأب والمرونة وتكرار العمل لا بالقوانين والعلم المجرد. لاحظ صناعة صف حروف الطباعة تجد أن العامل إنما يكتسبها بمزاولة صف الحروف والتقاط الحرف من مكانه المخصص له وتكرار ذلك حتى تكتسب الملكة، وليس يكسبها بالعلم المجرد بأن من أراد صف كلمة فليأخذ حروفها المتعددة من أماكنها المخصصة لها وهكذا فإذا أتم صفحة وضعها بين ضاغطتين لمنعها من الشتات والانفراط

لاحظ صناعة الموسيقى تجدها لا تكتسب بقوانينها الفنية فحسب، فلا تكتسب بقول الأستاذ اضرب بالخنصر والبنصر والسبابة وشد الأوتار؛ إنه بذلك لا يكون عازفاً ولا موسيقياً إنما يكون موسيقياً إذا زاول هذا الضرب مراراً وتكراراً، فأكسب أصابعه المرونة والسرعة والاستجابة لما رسمه في وحاء، ثم أكسب نفسه وذوقه بذلك الملكة في الموسيقى وفنها الجميل

ولو مكثت طول عمرك تقول لمتعلم الحياكة شد الخيط طولاً وأدخل فيها الخيوط عرضاً ذاهباً يمنة وذاهباً يسرة لما تعلم بذلك شيئاً من الحياكة؛ إنما يتعلمها بمزاولة هذه الأعمال حتى تكتسب يده الخفة والمرونة

ولو رددت على متعلم السباحة قولك اركض برجلك اليمنى في الماء، واضرب بذراعيك، لما تعلم بذلك السباحة، ولو سبح متعمداً على هذه القواعد لأدركه الغرق ولذهب ضحية القواعد والقوانين

الآن علمنا أن اللغة في المتكلمين ملكة، وعلمنا أن الملكة لا تكتسب بالقواعد، إنما تكتسب بالمرانة والتكرار، فليلزمنا شئنا أو أبينا الإقرار بأن اللغة لا تكتسب بالقواعد، إنما تكتسب بالحفظ والتكرار وهو المطلوب الذي حاولنا إثباته

أرأيتم أنني كنت مصيباً حين قلت يجب أن نحل مشاكلنا بالعلم، ويجب أن نعرف طبيعة الشيء وخصائصه لنبني الحل على هذه الطبيعة؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>