إن هذا الخبر لا أصل له، فلم يقل النعمان في وقت ما قال، ولم يرسل من ذكرته القصة، ولم تتحرك الألسنة قدام كسرى بشيء مما روي قط، ولم يشر إلى هذه الواقعة مؤرخ أو أديب في مصنف عرفناه أقل إشارة. وقد زخرفه مزخرفه كما صاغ الصواغون من قبله وكما صبغ الصباغون من بعده، وقد سيطرت عليه لغته ولغة وقته، فلم تشبه نثر الجاهليين وإن كنا لا نعرفه إذا لم يثبت من النثر القديم إلا القرآن كما ذكرت ذلك منذ (١٩) سنة، وإن كنا نجهل ذلك النثر فإننا نتصوره، ولا ريب في أن هناك نثراً بدوياً ونثراً حضرياً وقد نزل القرآن بالنثر الحضري لأنه إنما كان لكل جيل وزمان. ولم يشبه أسلوب الخبر أسلوب الإسلاميين، ولدينا من هذا القرن ما قد يطمئن إليه بعض الاطمئنان
إن صائغه أنشأه (مقامة) لفقها ونمقها، ولم يحتط، ولم يفكر في أن يحتاط، ولم ير حاجة إلى ذلك هو في منثور ينثره هو في (البلاغة) لا في تاريخ يحققه؛ على أن التاريخ هو ابن عم الأسطورة. وفي الخبر أشياء أدل على الوضع من أشياء، وهذه طائفة منها.