النظر في هذه الأحلام التي صور فيها الأديب العميد (شهرزاد) في رداء من الحصافة والذكاء. ولما رآها مرت أمامه شهرزاد التي صورها خليعة ماجنة. ومن قبل نشر الأستاذ توفيق الحكيم فصولاً عرى فيها المرأة من مواهب الفن فزعم أنها لا تحسن إنشاء القصص التمثيلية ولا تستطيع أن تكون موسيقية تبتكر الألحان، وقد فاته من أدبنا القديم براعة المغنيات في عصر بني العباس، وفي العصر الحاضر من أهل اللحون نساء في المشارق والمغارب. أما الروايات التمثيلية فعهد العرب بها جديد، ولننتظر فإن الزمان لم ينفد أمده، وما زال الإنسان حياً، فإن في مأتى الدهر نجوماً ستنجم يكون بينها مؤلفات للمسرح وموسيقيات. ومن أعجب العجب أن تسكن عداوة الحكيم للنساء أشهراً لتكون وحياً جديداً للأستاذ عباس محمود العقاد، فقد نشر هذا الأديب العظيم مقالين زعم فيهما أن المرأة لا تجيد من الفنون غير فن الرواية، وكأن هذا الفن في نظره أهزولة هينة على كل كاتب، وقال إن المرأة ليست بشاعرة مبتكرة بل هي مقصرة ومكررة، لأن الشعر ابتكار واقتدار، وأنها لم تنبغ حتى فيما هو أقرب إليها وأحرى أن تتفوق به على الرجل وهو الرثاء، وإذا كانوا يضربون المثل بالخنساء فإنه ليس في ديوانها غير أبيات متفرقات في البكاء لا ترتقي إلى منزلة الشعر السيار، إذ كله تكرير لمعنى واحد، ولا يصح أن يقال إنه معنى من معاني القريحة والخيال. وقال العقاد أيضاً: إن التصوير كالتمثيل والمرأة فيه غير مبدعة. ولم تعرف نابغة فيه خلقت دوراً من محض خيالها وتفكيرها كما يتفق لنوابغ الممثلين من الرجال. وهكذا رأينا هذا الكاتب الكبير يجرد المرأة من مزايا الإبداع والإجادة حتى في صناعاتها الخاصة بها، كالطهي والوشي والزينة والخياطة؛ فزعم أن الرجل يبذها فيها وينافسها، ونحن نقول إن في عديد شاعرات الغرب قديماً وحديثاً، وفي شاعرات العرب اللواتي - روى شعرهن أبو تمام وأبو نواس، أو التي ينشرن القريض لغة الضاد أو بلغة الفرنسيين - ما ينقض رأي العقاد؛ وفي الأديبات المعاصرات من أحرزت جائزة نوبل التي ما أحسب الأستاذ العقاد يزهد فيها، وفي النساء ممثلات كساره برنارد وراشيل، ومصورات لا يحصى لهن تعداد، أليس فيما أشرت إليه حجة بالغة عليه؟ ونحن لم ننس بعد مرثيته لفقيدة الأدب في الشرق الآنسة (مي). فعداوة العقاد إذن كعداوة الحكيم وكلاهما أديب أعزب وعن النساء بمعزل، بل ما دار لدى الأول بين يديه في صحن داره كما يذكر