هو في كتابه (عالم السدود والقيود) غير خادمه الساذج، وما وقفت في مطبخه طاهية ولا جارية، بل لم تخطر في فناء بيته وحجراته امرأة يدعوها بأم أولاده، والحكيم يعيش مفرداً متجافياً عن المرأة، وقد آثر مرة ألفة حمار كما قال عن نفسه في كتابه (حمار الحكيم). ويثور بالمرأة أديب آخر يمزح مزاحاً فيه حلاوة وفيه مرارة هو الأستاذ المازني الذي يتندر على المرأة ويستهزئ بها في كثير من قصصه ومقالاته، حتى أن زوجته وبناته لا يسلمن من أهكوماته وزرايته. وأحسب هذه الضروب من الأدب العابث بالنساء أصبح لدى معشر من أدباء العصر أفكوهة الفن وطرفة التجديد، وما المرأة في هذا الزمان إلا مستيقظة من سبات، ناهضة من خمول وهوان، فعلام يحول أدباؤنا دون تحريرها ورقيها، ويباهون بالعداوة لها وبالزراية عليها، وكان الأولى لهم أن يعالجوا مشاكلها ويتفقدوها في مجتمعاتهم، ويجعلوا منها شريكاً في حياة كاملة طيبة، وما بال هؤلاء الأعداء - وما جادت الأيام بأندادهم إلا على هامات العصور - يسخرون أقلامهم للهدم والتحطيم، وقد شرفها الله فأقسم بها وما كان مدادها إلا ليشرق من سواده نور الحق والخير على بياض الأوراق؟ ليتهم سخروها لرعاية المرأة ورفعتها، ولسوف تأتي الأجيال القابلة فينظر أهلوها في آثار هؤلاء الناقمين على النساء، فيرون أن بعضهم كانوا لاهين مباهين بأدب لحمته وهم وخيال وسداه زهو وتحريف، ينتزعوه أحياناً من الأساطير ويرددونه في الأدب الحديث باسم الفن والتجديد لقوم حرام عليهم اللهو والهزل والدنيا جادة في اقتحام الأمجاد وبناء الأجيال، وهكذا نراهم غير جادين في آرائهم أو مخلصين لدعواهم، ولو كانوا يريدون بالنساء خيراً ونفعاً لأنشأوا لهن أدباً يبصرهن ويعصمهن ويجمع قواهن في قوة الرجال فما ينبغي أن يتخلفن عن مسايرتهم في ركب الحياة
يقول الراسخون في العلم والنافذون بأبصارهم إلى عالم الغيب: إن في حياة كل أديب امرأة كان لها تأثير في توجيهه ونبوغه، وهذا ما ردده توفيق الحكيم منذ سنتين:(فمن أفواهكم ندينكم) يا أعداء المرأة؛ لولا نساء أظلمت عليكم قلوبهن فلم تدخلوها لما كانت عداوتكم، وإذا دعوتم إلى تحقير المرأة والبطش بها فإن وراء دعوتكم تشفياً وانتقاماً، فقد يكون الدهر إبتلاكم بأهواء الحسان، أو بلوتم زيوف النساء فتجافيتم عن الخوالص الصحاح
ثم ابحثوا أيها المنصفون تاريخ السرائر والنفوس، فلن تجدوا منذ حواء واحدة من النساء قد