الملكة، فتكون الطريقة الأولى أجدى وأنفع، وتكون الطريقة الثانية أخيب وأقل جدوى
ونحن ليس في استطاعتنا أن تكون البيئة العربية فنأتي بالطريقة الفطرية، ولكن في استطاعتنا أن نقارب، وأن نقلد الطريقة الفطرية فنحسن التقليد، ونكثر من الحفظ، ونعمل على تكوين ملكة اللغة بالعادة والدربة والتكرار
أيجمل برجال التعليم أن يخطئوا في تعليم الولدان اللغة العربية فيعلموا بالقواعد ما لا يعلم إلا بالتكرار والحفظ ثم يطالبونهم بكتابة مواضيع تكون جارية على أساليب اللغة، خالية من اللحن والغلط، فإن لم يستجيبوا لهم ونسبوا إليهم العجز والتقصير؟
كيف يكتبون كتابة جارية على أساليب العربية ولم تتكون في أذهانهم مقاييس ونماذج عربية يكتبون على مثالها؟ وكيف يتكلمون كلاماً جارياً على أساليب اللغة ولم تتكون في أذهانهم صور ذهنية تدعوهم للتكلم على منهاجها؟ وكيف نطالبهم بالسرعة والجودة في الكلام وتوفير الزمن والجهد وهم لم يكتسبوا ملكة اللغة التي بها يكون ذلك؟
الحق أنكم تستنبطون الماء من الحجر، وتطلبون في الماء جذوة نار. الحق أنكم تأتون الأمر من غير بابه، وتلجمون الفرس من الخلف. الحق أنكم إذ تلومون التلاميذ على خيبتهم في اللغة تلومون غير ملومين، وتأخذونهم بذنب أنتم علله، وبجريرة أنتم أسبابها. ولو أنصفتم للمتم الطريقة التي علمتموهم عليها، أو بالحرى لرجعتم باللوم على أنفسكم
يا قوم جربتم طريقة القواعد في تعلم اللغة العربية ألف مرة، وفي كل مرة تخفقون، وجربتها الأجيال قبلكم كذلك، فجربوا مرة واحدة طريق الحفظ والتكرار، وأنا كفيل لكم أن تحمدوا هذه التجربة، وألا تعدلوا بها غيرها، ولو بذل لكم ما يستطاع للعدول عنها إلى طريقتكم الأولى لم تفعلوا، لأنكم قد وجدتم في هذه الطريقة النجاح حين وجدتم في الأولى الإخفاق
ونحن نعلم في مدارسنا المصرية اللغة الإنجليزية واللغة الفرنسية، كما تعلمها مدارس الجاليات الأجنبية، ولكن الشركات والبنوك والمحلات التجارية التي تصطنع هاتين اللغتين في الكتابة والخطابة تفضل أن تستخدم من تخرج في المدارس الأجنبية على أن تستخدم من تخرج في المدارس المصرية، لأن الأول يجيد اللغتين كتابة وحديثاً، والثاني أبانت التجربة أنه لا يجيدهما كأخيه. أتدرون لم ذلك؟ إن شؤم طريقة تعليم اللغة بالقواعد قد تعدى