إلى هاتين اللغتين، فمدارسنا المصرية تعلمهما على طريقة حفظ القواعد، أما المدارس الأجنبية فتعلمهما على الطريق الطبعي طريق الحفظ والتكرار والمحادثة حتى تثبتهما ملكتين راسختين في النفس فيجيد تلاميذها الكتابة والحديث بهما، ومن أين لتلاميذ المدارس المصرية أن يجيدوهما وهم إنما عرفوا القواعد ولم يجعلوهما ملكتين بالحديث والتكرار؟
ومن ذلك نعلم أن هذا الإخفاق لا يرجع إلى قصور في عقول التلاميذ المصريين ولا إلى كسل يستولي عليهم، وإنما يرجع إلى هذا الأسلوب العقيم. وهذا هو السر أيضاً في كثرة التلاميذ الذين يرسبون في هاتين اللغتين، فنحن الذين يجنون عليهم، ثم نحملهم جريرة عملنا، ونأخذهم بذنوبنا
سمعت أحد أبنائي يردد صيغاً من اللغة الإنجليزية ويقول هذا للمذكر وهذا للمؤنث وهذا للجمع
فقلت له: ماذا تفعل؟ قال: أحفظ درس القواعد. قلت له: ما هكذا يكون، ينبغي أن تأتي بجمل تامة من اللغة الإنجليزية في مخاطبة المذكر ومخاطبة المؤنث والجمع، وتفهم معناها وتكررها وتحفظها، وتتحدث بها حتى تكون ملكة، ثم تأخذ القاعدة منها إن شئت. هذا هو الأسلوب الفطري في تعلم اللغة؛ أما أن تأخذ اللغة من القاعدة فهذا ليس طريقاً طبيعياً. لقد كان يعجزنا ونحن تلاميذ أن نحفظ قواعد اللغة العربية، فكنا نستعين عليها باستنتاجها مما نحفظ ومما رسخ في أذهاننا، وصار ملكة فينا. مثلاً: إذا كنا لا ندري ما عمل كان وأخواتها، وما عمل إن وأخواتها، رجعنا إلى ما رسخ في نفوسنا، واستشرنا ملكاتنا ونطقنا بأمثلة نحفظها، فيها كان وإن، ونرى كيف تنطق بها ألسنتنا، كقوله تعالى:(كان الله غفوراً رحيما)، (وإن الله على كل شيء قدير). ونستنبط من ذلك أن كان ترفع الاسم وتنصب الخبر، وأن إن تنصب الاسم وترفع الخبر، وهذا تقريب لما أريد أن يكون في تعليم اللغات. أريد أن تثبت الأساليب والألفاظ بالحفظ والتكرار حتى تكون ملكة، ثم تستنتج منها القواعد، ولا أريد أن تحفظ القواعد لتعلم منها الأمثلة، فإن ذلك يجعلها ملكة إلا أن يلجأ إلى الحفظ والتكرار
ومن العجب أن تمكث هذه المدارس بين ظهرانينا هذا الدهر الطويل ونرى أسلوبها الناجح في تعليم اللغات، ونلمس نجاحه ولا نقتبس منها هذا الأسلوب! أيرى قوم طائفة تعمل عملاً