على قدم التجريد، وجاور مكة الشرفة زماناً، وكان رجلاً حسن الصحبة محمودة العشرة. وقد قيل عنه إنه ينظم الشعر أحياناً في النوم ومنه هذان البيتان:
وحياة أشواقي إلي ... ك وتربة الصبر الجميل
ما استحسنت عيني سوا ... ك ولا صبوت إلى خليل
وهو من أهل الطريقة الرامزة وهي طريقة العرفان بالله ولهذا كني بالعارف بالله
وممن وصفه الكاتب المبدع المرحوم جبران خليل جبران بقوله:(وكانت روحه الظمآنة (كذا) تشرب من خمرة الروح فتسكر ثم تهيم سابحة مرفرفة في عالم المحسوسات حيث تطوف أحلام الشعراء وميول العشاق وأماني المتصوفين. ثم يفاجئها الصحو فتعود إلى عالم المرئيات لتدون ما رأته وسمعته بلغة جميلة مؤثرة). ثم يقول أيضاً:(إذا نظرنا إلى فنه المجرد وما وراء ذلك الفن من المظاهر النفسية وجدناه كاهنا في هيكل الفكر المطلق أميراً في دولة الخيال الوسيع قائداً في جيش المتصوفين العظيم ذلك الجيش السائر بعزم بطيء نحو مدينة الحق. ثم يقول أخيراً كان يغمض عينيه عن الدنيا ليرى ما وراءها، ويغلق أذنيه عن ضجة الأرض ليسمع أغاني اللانهاية. هذا هو الفارض، روح نقية كأشعة الشمس وقلب متقد كالنار، وفكرة صافية كبحيرة بين الجبال، وفي شعره ما لم يحلم به الأولون ولم يبلغه المتأخرون) ١هـ. وتوفي بالقاهرة يوم الثلاثاء الثاني من جماد الأولى سنة ٦٣٢هـ. ودفن في الغد حسب وصيته بالقرافة في سفح المقطم تحت المسجد المعروف بالفارض. وقد قال ابن بنته الشيخ
علي في ذكره:
جز بالقرافة تحت ذيل العارض ... وقل السلام عليك يا ابن الفارض
أبرزت في نظم السلوك عجائباً ... وكشفت عن سر مصون غامض
وشربت من بحر المحبة والولا ... فرويت من بحر محيط فائض
وقال أبو الحسن الجزار:
لم يبق صيّب مزنة إلا وقد ... وجبت عليه زيارة ابن الفارض
لا غرو أن يسقي ثراه وقبره ... باق ليوم العرض تحت العارض
أما ديوان شعره فيحتوي على مقطوعات وقصائد منها الموجزة والمطولة، متينة النظم دقيقة