(هي لحظة جمعت أطراف النعيم في جميع الأقطار وفي جميع الأزمان، فما كان لها مثيل في تصوير عشاق النعيم في زمان أو مكان، لأنها فوق ما يجوز بخواطر أهل الخيال من طلاب المحال. . . هي لحظة فيما تعرف التعابير الدنيوية، ولكنها فيما تعرف الأرواح آباد أطول من عمر الخلود. . . هي لحظة لا يبالي من يعيشها معنى الحياة والموت، لأنه اجتاز بها آفاقاً لا يجتازها غير من تسامت قدرته على ضجيج الحياة وسكون الموت. . . في تلك اللحظة طاف القلب وطاف الروح بمعالم ومجاهل لا يدرك العقل منها غير أطياف. . . هي لحظة ولكنها العصارة الدامية من قلب الوجود، وأنا عشت تلك اللحظة فلتفعل الدنيا ما تشاء، وما الذي أبقيته للدنيا حتى تنتزعه من يدي؟ أنا نهبت من الدنيا جميع ما تملك، فلتقابلني إن استطاعت في ساحة القضاء)
قالت الجنية: أهذا هو المحصول لمثل هذه المغامرة العاتية؟
قلت: هذا ما يملك قلم يقيم صاحبه فوق جبل من البارود!
- ولكني لم أر جديداً في كلامك
- كيف وهو كلام لم يقله أحد من قبل؟
- أنت قلت مثله مرات ومرات، فكان مبتكراً أول مرة، ثم صار من المبتذلات
- وإذن؟
- وإذن تقول كلاماً غير هذا الكلام لأرضى عنك ونامت الجنية من جديد ولم تترك لي سميراً غير قلمي، فماذا أصنع؟
الخطر كل الخطر في عشق الموحيات من المليحات. هن يتوهمن أن العشق وسيلة لا غاية، ويرين أن ثمرة الحب ليست طفلاً يولد على نحو ما تكون ثمرات الحب في عالم الحيوان، وإنما الثمرة لمثل الحب الذي تسامينا إليه أن ينتج مواليد من كرائم المعاني، مواليد لا تتعرض للمرض ولا للموت
صوبت بصري إلى وجه الجنية وكتبت:
(لقد آذاني الحسن المجلوب بالطلاء، وهو حسن للموت فيه حيوية اللون، فغمرت محبوبتي في أثباج البحر لأرى قيمة ما تملك من جوهر الحسن الصحيح، والجمال عندي يوزن بحيوية اللون، وهي حيوية تتموج فوق الصدر والخد والجبين، وقد تتموج فوق اليدين