للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أحبها إلا حين أتمثل روحها الشفاف وهو يناجيني برفق، أو يلاحيني بعنف، ونحن نذرع أودية الخيال

مضيت يوماً لرؤية النيل عند الطغيان ومعي صديق متبرم بمصر والمصريين، فقلت:

- هل تعرف يا صديقي كيف أرى مصر؟

- كيف تراها؟

- أراها في وجه الجنية التي نشأت فوق ضفاف النيل، ولولا الخوف من أن تتهمني بالجنون لقبلت كل وجه وكل شجرة وكل جدار بهذه البلاد

من أجل من؟

من أجل الجنية، فهي وحدها الدليل على أن مصر وطن الجمال

- الآن عرفت

- وماذا عرفت يا جهول؟

- عرفت كيف نجوت من التبرم بمصر والمصريين

- مصر وطن الجنية، والمصريون أعمامها وأخوالها، فأنا لها ولهم أوفى الأوفياء

- وما نصيبك من الجنية؟

- نصيبي أن تكون لي وحدي، وهي لي وحدي

- وهل تكون أجمل من الشمس؟

- جمال الشمس جمال مبذول، فليس له سحر ولا فتون أما جمال الجنية فهو جمال الزهرة المشرقة في ضمير البيداء، ولن تكون لغير من يدرك سرها الغريب

- وكيف اهتديت إلى هذا الجمال المجهول؟

- لقد اهتدى إلي قبل أن أهتدي إليه؟

- وكيف؟

- صنع معي بما تصنع السرحة لاجتذاب البلبل، فأورق وأزهر ليطيب فوق غنائي، فأنا أبدعت ذلك الجمال

- وهو أبدع شعرك

- وصيرني من أقطاب الوطنية، فما يحب الرجل وطنه إلا إن كان له فيه هوى وميعاد

<<  <  ج:
ص:  >  >>