اقتدى أهل الأندلس بالمشارقة في إنشاء دور الكتب. فأنشأ الحكم بن الناصر مكتبة حافلة جمع لها الكتب من نواحي العالم، وبذل في سبيل شرائها مالاً كثيراً. وكان يغري المؤلفين بالذهب ليشتري منهم مؤلفاتهم ويضمها إلى خزانته، فقد ذكروا أنه بذل لصاحب الأغاني ألف دينار من الذهب ليرسل إليه كتابه قبل أن يبعثه إلى الخليفة العباسي بالمشرق، كما ذكر المقري صاحب نفح الطيب كثيراً من أخبار الحكم في هذا السبيل، وفعل ابن خلدون مثله في الجزء الرابع من تاريخه
ولم تقل مصر والشام عن بقية بلاد المشرق وسائر بلاد المغرب في جمع الكتب وتنظيم المكتبات. فالعزيز الفاطمي ينشئ (خزانة الكتب)، ويجمع لها الكتب بمعونة وزيره يعقوب ابن كلس، ويجمع من الكتاب الواحد نسخاً عدة قد تبلغ المائة. وللمقريزي في الجزء الأول من خططه كلام كثير في هذه الخزانة
ولقد نكبت المكتبات العربية بالتتار والصليبيين في الشرق وبالفرنجة في المغرب. ويروي ابن الفوطي المؤرخ المعاصر لغارة التتار على بغداد كيف أحرقت الكتب وأغرقت وبيعت بأوهى قيمة
ويروي ابن الأثير كيف أحرقت المكتبة التي أنشأها سابور بن أردشير وزير بهاء الدولة عندما دخل السلجوقيون بغداد سنة ٤٤٧هـ
كما يذكر جيبون المؤرخ كيف أحرق الفرنجة مكتبة طرابلس الشام عندما فتحوها سنة ٥٠٢ هـ. ويذكر مؤرخو المسلمين أن البطريق إيكزامينيس أمر بإلقاء الكتب العربية في النار عندما دخل الفرنج غرناطة في القرن الخامس عشر الميلادي. . .
وفي العصور المتأخرة نرى الأمم الغربية تتنافس في جمع الكتب العربية وترتيبها بحسب موضوعاتها، وتعين لتنظيمها المختصين من المستشرقين الذي درسوا فن تنظيم المكتبات على قواعد صحيحة. ومن الإنصاف للتاريخ والحق أن نقول إن فكرة العناية بإنشاء المكتبات العربية على وجه الخصوص والشرقية على وجه العموم ترجع إلى مدينة (روما)، فقد انتشرت بين أغنياء تلك المدينة التاريخية بدعة جمع الكتب الشرقية في العصور الوسطى. فصبح أثرياء الإيطاليين ينافس بعضهم بعضاً في الجمع، ويكاثر بعضهم بعضاً في الاقتناء لا رغبة منهم في العلم ولا حباً في المطالعة، ولكن ميلاً إلى التكاثر