الناس يجهلون المعاني العالية ولو كتبت باللغة التي يتكلمونها، كما يجهلون الرياضة والفلسفة ومباحث العلوم المختلفة. فالعقدة هنا هي عقدة المعاني وليست بعقدة الألفاظ. ومن السخف قولهم إن اللغة الحية هي لغة السوق والطريق، لأن اللغة الحية هي اللغة الخالدة التي تعيش مئات السنين، ولا تموت كل بضع سنوات كما تموت لغات الطرق والأسواق. ولا غنى للإنسانية عن هذه اللغة الخالدة ما دامت لها آداب مكتوب لها الخلود من جيل إلى جيل. وأسخف من دعواهم هذه قولهم إن الناس ينبغي أن يكتبوا كما يتكلمون كأنهم يريدون أن يلغوا الترجمة مثلاً، وهي تنقل إلينا كلام الروسيين والبولونيين، ونحن لا نتكلم لغة هؤلاء ولا هؤلاء، سواء بألفاظ الأسواق أو ألفاظ الجامعات
ذلك أسلوب من أساليبهم الخفية في الأدب، وهم هنا يشاركون المبشرين، ويشاركون المستعمرين، ويشاركون كل من يكره معالم القومية في بلاد الشرق، وهم كثيرون
أما الفن فهم لا يدينون بآراء الغلاة من المصورين والموسيقيين كأنها آراء الشيوعية والشيوعيين، ولكنهم يشجعون هذه الآراء في البلاد الديمقراطية، لأنها خروج على القواعد والأصول واندفاع مع الفوضى والاختلال، أو مع الهدم والانحلال، وهم أنصار كل عامل من عوامل الهدم بين الشعوب الديمقراطية
فلا يلزم - شيوعياً - أن يكون المصور من القائلين بالسريالزم و (الفيوشرزم) والكيوبزم وغيرها من المدارس التي تبطل قواعد التصوير كما عرفها أساتذة الفن في جميع العصور، ولكن هذه المدارس تعفي المصور من قواعد الرسم والتلوين والتشبيه، وأصول الإضاءة والتظليل، وترسله في عالم من الفوضى لا توجد فيها قاعدة يتفق عليها رأيان
وهذه الإباحة هي المقصودة لأنها تفضي إلى هدم القواعد والقوانين، وتزلزل أركان الفكر والذوق والاعتقاد في المجتمع الذي يقصدونه بالخلط والتخريب
ومن مضحكاتهم ومضحكات نظرائهم في هذا الباب أنهم يسمون إحدى مدارس الإباحة هذه بمدرسة (المستقلين)، وهي في حقيقتها رجوع إلى الهمجية التي تركناها منذ آلاف السنين. فإن صورهم وتماثيلهم لتشبه كل الشبه تلك الصور والتماثيل التي كشفت حديثاً في حفائر الكهوف من بلاد نيجيريا وبورنيو وجنوبي الهند، وسائر الأقطار التي كان يعمرها الإنسان الأول، ولا يزال فيها إلى اليوم من الهمج المتخلفين