والعجيب في أذواقهم أنهم إذا قصدوا محاكاة تلك الفنون الهمجية تحروا مشابهتها في الرديء النافر الممسوخ، ولم يتحروا قط مشابهتها في مواضع الحسن والإتقان؛ لأنهم منحرفون في تكوينهم انحرافا يظهر في الخلقة إن لم يظهر في الأخلاق والطباع
وعلى هذه الشاكلة مذهبهم في الموسيقى والشعر والتمثيل، ولكنهم يعتدلون بعض الاعتدال في التمثيل لأنهم يريدونه لنشر الدعوة، ويخشون أن يفتحوا أبواب المسارح على مقاعد خاوية إذا هم عمدوا إلى تلك (التقاليع) والتهويشات
ومن أساليبهم التي نص عليها كارل ماركس في منشوراته أن (يشوهوا سمعة كل رجل مسموع الكلمة بين الديمقراطيين)
ولا حرج عندهم أن يختلقوا الأكاذيب، وأن يعرضوا لشؤونه الخاصة، وأن يذموا أعماله أقبح الذم، ولو لم يكن عندهم دليل واحد على ما يذمونه منها
وإذا تكلموا عن الأدباء والشعراء الذين لا يؤمنون بالشيوعية عابوا عليهم أنهم حالمون وأنهم خياليون لأنهم لا يكتبون عن المسائل الاقتصادية ولا يقفون أقلامهم على أسعار الطعام واللباس وشئون الأموال والعمال
والأدباء الديمقراطيون لا يحرمون هذه الموضوعات، ولا يزال منهم من يعرض لها من الناحية الفنية التي هو أقدر على تصويرها، وإنما يعلم الأدباء الديمقراطيون أن في الدنيا علماً اسمه علم الاقتصاد، وعلماء اسمهم العلماء الاقتصاديون، وإن هؤلاء أولى بدرس المسائل التي يفهمونها ويفرغون لها ويستطيعون الحكم فيها، لأن الأدب لم يخلق لإلغاء علم الاقتصاد
ومن مضحكاتهم ومضحكات نظرائهم في هذا الباب أنهم يهدمون مذهبهم من أساسه بهذا الهراء الذي يلفظون به وهم لا يشعرون
لأنهم يستكثرون على العامل الفقير أن يقضي في اليوم ثماني ساعات في طلب الرغيف والكساء، وهم يفرضون على العمال وغير العمال ألا يكون لهم شاغل في ساعات العمل أو ساعات الفراغ إلا طلب الرغيف والكساء، فلا يبحث الفيلسوف إلا ليؤدي بحثه إلى الرغيف والكساء، ولا يحلم الشاعر إلا ليفسر حلمه بالرغيف والكساء، ولا يخترع المخترع إلا لينتفع باختراعه في الرغيف والكساء، ولا يخرج العامل من عمله اليومي ليقرأ أو