للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

دائرة معارف العلوم والفنون ' التي ألفها الإنجليزي فاستشار، ذاك الكتبي عدداً من العلماء. وكانت هذه الاستشارات لا تجدي شيئاً. فعهد عندئذ إلى (ديدرو بهذا العمل، وكان ذا فكر ثاقب محيط. فرأى أنه يستطيع توجيه ذاك الكتبي نحو فكرة قد تكون أكثر جدوى، وأقرب نفعاً؛ فلماذا ينقل إلى الفرنسية معجم ذلك الإنجليزي؟ أليس من الخير لبلاده أن يكتب المعارف الإنسانية بفكر فلسفي ويقدمها للناس؟ لا جرم أن ذلك يساعد على انتشار آرائه، وتبيان ما يذهب هو والفلاسفة إليه، ويكون وسيلة لجمع شتات فلاسفة عصره. وزين ديدرو للكتبي فكرته فقبل. وعندئذ اتصل بدالامبير ' وانعكفا على وضع نهج العمل

على أن نهج العمل واضح لا يحتاج إلى جهد وتفكر، إنما الذي يدعو إلى التفكير هو الحصول على المال. فالمعجم سيكون كبيراً. وهو يحتاج إلى نفقات قد تثقل عاتق الناشر. وعمدوا إلى اكتتاب بالاشتراك. وساعد على ذلك محافل الماسونيين في العالم كله، واهتمت السلطات العامة بهذا الأمر. وتدفقت الأموال على الناشر وصاحبيه. وابتدءوا يعملون

وفي سنة ١٧٥٠ أخرج ديدرو المجلد الأول، وفيه المنهج الذي سيكون المعجم عليه، وتبيان ما سيتضمنه ويحويه. ومقاله لدالامبير سماها:

ولم يكد يظهر المجلد الأول حتى تهافت الناس على شرائه؛ ونال رواجاً كبيراً، وأبدى كثير من الكتاب والعلماء رغبتهم في مساعدة ديدرو ودالامبير

وظهر المجلد الثاني؛ وفيه طعن ديدرو على القديم طعناً موجعاً، وثار الناس على مقالة كتبها الأب دبراد محرر دائرة المعارف في الإلهيات. وهب رجال الدين يطعنون على هذا المعجم الذي يسوق إلى الإلحاد ويدفع إلى الكفر، واضطربت السلطة، واضطرت إلى مصادرة الجزأين. وكاد ديدرو أن يسجن في الباستيل، ولكن الناشر ما زال يسعى حتى أذن له مرة ثانية بإخراجها

وما كادت سنة ١٧٥٧ تطلع على الناس حتى حدث ما لم يكن بالحسبان. فقد أثرت الأحداث السياسية في فرنسة فكانت مؤامرة داميان الذي طعن لويس الخامس عشر بطعنة موسى، وكان فشل روسباخ مما سبب يقظة الشعور الوطني والأخلاقي. ودعا إلى شن هجوم شديد على أولئك الفلاسفة المخربين الهدامين. ومما ساعد على ذلك مقالة عن (جنيف) كتبها دالامبير، وكتاب (الفكر الذي كتبه (هيلفيتيوس فازداد الطعن على دائرة

<<  <  ج:
ص:  >  >>