المعارف ورجالها، حتى اضطر الملك إلى إيقافها، ولكن الناشر استطاع بعون من مدام دبومبادور حظية الملك أن يصدرها. فصدرت وحمتها رجال الشرطة. وظلت تصدر حتى عام ١٧٧٢ إذ انفض عن ديدرو، دالامبير وروسو، وبقي وحده
كانت دائرة المعارف كما ذكرت معجماً رتب على الحروف الهجائية. وكان يبحث في الرياضيات والطبيعيات والإلهيات. وكان مراسلوها يذكرون ما وصلت إليه الإنسانية في كل علم أو فن. ويلاحظ دوكرو في كتابه (رجال دائرة المعارف) أن ديدرو تنبأ بمستقبل الفنون الميكانيكية، فكتبه مقالات كثيرة عن كل صناعة وبين خططها وصورها
ولكن على رغم ذلك فإن دائرة المعارف ظلت خليطاً من أمور غامضة تارة ومضطربة أخرى. لا جرم أنه كان فيها الجيد، ولكن كان إلى جانبه الرذيل الرديء. وسر ذلك أن مباحثها كتبت بسرعة دون تأمل أو روية
على أن الذي يدهشني حقاً فيها تلك الروح المهيمنة عليها في كل صفحة من صفحاتها، بل في كل سطر من سطورها. فلقد استطاع ديدرو، بل وفق إلى انتقاء مراسليه من الفلاسفة الذين كان بينهم وبينه نسب في الفكر والمذهب. فإذا تصفحت دائرة المعارف بدا لك هذا الفكر الفلسفي الذي لا يؤمن بكل أمر خفي، ويسخر من كل أمر مطلق أو خارق، ولا يعتقد بما وراء الطبيعة، ويدعو إلى حرية الفكر والكلام والعمل
وما كانوا يصرحون بذلك تصريحاً تاما، ولكنهم كانوا يدسون السم في الدسم، ويحشون مقالاتهم أفكاراً تسوق إلى ما يريدون. وقد كان من أشد ما يدعون إليه أن يحاربوا المذاهب والآراء التقليدية الموروثة، وأن يسخروا منها فيصيبها التهديم
ومهما كان من أمرها، فلقد كانت وسيلة لاجتماع رجال كبار. فقد كتب فيها: مونتسكيو ورسو وفولتير، وكتب ديدرو ودالامبير ودجوكور وديبنتون ومارمو نتيل وغيرهم. . .
ويلاحظ روستان في كتابه (الفلاسفة والهيئة الاجتماعية في القرن الثامن عشر)
, أن مراسلي دائرة المعارف كانوا أشد حماسة من القائمين عليها. نرى ذلك عندما نقرأ مقالات كوندياك تلميذ لوك، وهلفيتيوس الذي دعا إلى المادية أجرأ دعوة، وغيرهما
وما زالت دائرة المعارف تتستر، حتى ظهر جلياً ما تدعو إليه. وعندئذ تركها روسو، وراح يطعن عليها وينعتها بأنها آلة تهديم، ويعتذر لنفسه بأنها كتب فيها عن الموسيقى، وقد خفي