تتغير خططها فتضيق وتتسع على الزمن، وتمتد إن شرقاً وإن غربا وإن شمالا وإن جنوبا وقد تطول وقد تستعرض، وقد فاتنا إدراك شيء من ذلك بأقوى المنظارات. هذا على افتراض أن الإنسان الذي يسكن القمر مخلوق على مثال إنسان الأرض في حجمه وجرمه، وهو افتراض لا تعززه طبائع الأمور. فانا نعرف إن الجاذبية على سطح القمر أقل منها على سطح الأرض، فهي تبلغ نحو الثمن، فالرجل منا إذا نط على سطح القمر ارتفع إلى نحو ثمانية أمثال ارتفاعه على سطح الأرض فمن اجل اتزانه يرجح أن يكون جرمه ثمانية أمثال جرمه على الأرض. وحكم مساكن الإنسان على القمر كحكمه، فهي إن كانت فلا بد أن تكون كبيرة ضخمة لتتوافق مع ساكن ضخم كبير ولتثقل فتتزن على سطح القمر فلا تندك من اهتزاز قليل. والمنازل الواسعة تؤلف لا شك مدناً كبيرة مديدة أكبر من مدن الأرض وهذا يسهل علينا مرآها، ولكننا لم نر شيئا. على أن كل الأدلة تقضي بخلو القمر من الماء ومن الهواء، وكلاهما لازم للحياة علت أو سفلت. والحياة كما نعرفها لا تكون إلا في درجات من الحرارة محدودة، فهي لا تزيد كثيراً على الخمسين، ولا تنزل كثيراً عن الصفر، والمعروف عن القمر أن نهاره بخمسة عشر يوماً من أيامنا، يظل فيه في مواجهة الشمس يأخذ من حرارتها فتعدو درجته المائة، يتلوه ليل بخمسة عشر يوماً من أيامنا يبرد فيه برودة دون ما تحتمله الحياة بكثير. فالحياة - كما نعرفها - لم يثبت وجودها على القمر، لا عياناً ولا استنتاجاً، بل ثبت النقيض.