ثم ماذا؟ ثم انتهز الفرصة فأتحدث عن مشكلة تعانيها المدارس ولا تعانيها الكليات، وسأفصل حديثها بدون إسهاب:
هذا مدرس عينته الحكومة بمدرسة ابتدائية وفرضت عليه أن يلقي أربعة وعشرين درساً في الأسبوع، فاحتمل العبء راضياً لا كارهاً لأنه في عنفوان الشباب
وهذا المدرس نفسه ظل يخدم العلم بالمدارس الابتدائية إلى أن شارف التاسعة والخمسين، فكيف يجوز أن يحمل من أعباء الدروس ما كان يحمل قبل أن يصل إلى الثلاثين؟
عليه أن يحتمل أو يعتزل، فالمدارس تعرف التلاميذ ولا تعرف المدرسين، لأن نتائج الامتحان هي العنوان! ولو أنها خففت العبء عن المدرس الذي تقدمت به السن لقدم لها منافع تفوق الحدود
المدرسة الفلانية هي أولى المدارس، لأن تلاميذها بلغوا حدود التفوق، ولم تكن أولى المدارس لأن مدرسيها ظلوا من نكد العيش في أمان
التلميذ هو المقصود بالعطف والرعاية، أما المدرس فهو جلمود لا يجوز عليه الإفضال
هو مدرس، ومهنة التدريس (مهنة بلا مجد) فليصبر كارهاً على جدول كان يطيقه قبل الثلاثين، وليقل (راضياً) إنه يطيقه في التاسعة والخمسين!
إلى من نوجه القول؟
نوجهه إلى المراقبين بوزارة المعارف وقد اكتوت أيديهم بالتعليم، ولطف الله بهم فلم يرهقهم بالجدول الكامل إلا أن يشارفوا سن المعاش
إني أنظر إلى أولئك المراقبين بعين الاحترام، لماضيهم الجميل في خدمة النهضة التعليمية، ولكني أعجب من سكوتهم عن مشكلة لا يجوز عنها السكوت، وهي اختلاف القدرة البشرية باختلاف الأسنان
ثم ماذا؟ هذا مدرس قاتل المتاعب حتى انتصر، فبلغ الستين وهو بعافية فكيف يحال إلى المعاش ليعاني الفاقة في أعوامه الباقية؟
أما بعد - وقد تعبت من أما بعد - فهذه ملاحظات أقدمها إلى معالي وزير المعارف، راجياً أن تظفر من اهتمامه بما هي له أهل، مع الاعتراف بأن مهنتنا قامت على أساس التضحية، وأن حظنا هو أجمل الحظوظ في أسوأ الفروض