والمبادلة والثروات والتوزيع. هذه هي الفروع الرئيسية؛ ولكن هناك علمين جزئيين آخرين هما الاجتماع اللغوي الذي يدرس اللغة من حيث هي ظاهرة اجتماعية تعتمد في وجودها على وجود مجتمع ما بين أفراده معاملات وصلات، ومن حيث هي تحمل خصائص المجتمع الذي توجد فيه، بحيث يمكن الاستدلال من اقتراب اللغات على اقتراب الشعوب. ثم أخيراً هناك الاجتماع الجمالي وهو يدرس أعمال الفن؛ فإن الفنان - شاعراً كان أو خطيباً أو مثالاً أو نقاشاً - يظهر ذاتية مجتمعه الخاصة في أعماله، فهو يستمد معانيه الفنية من البيئة الاجتماعية في عصر معين فيعبر عنها ويخاطب بها أناساً غيره، مما لا يتيسر إلا في مجتمع
وقد درست بعض هذه الأبواب من قبل دوركايم وخاصة الظاهرات الاقتصادية التي كانت تدرس تحت اسم (الاقتصاد السياسي ولكن هذا العلم كان يهتم بما يجب أن يكون أكثر من اهتمامه بما كان أو بما هو كائن. ولا ينظر الاقتصاديون إلى الحقائق الاقتصادية نظرة العلماء إلى الحقائق العلمية الفيزيقية مثلاً؛ ولذلك لا يرون ضرورة دراستها دراسة نظرية قبل محاولة الإصلاح. ثم أنهم يظنون أن الناحية الاقتصادية بعيدة كل البعد عن بقية نواحي الحياة الاجتماعية أو أنها مستقلة بذاتها، بينما يرى دوركايم أننا لا يمكننا تفسير الظاهرات الاقتصادية إذا لم نعتمد ونلتجئ إلى بقية الظاهرات الاجتماعية؛ فأجر العمال مثلاً لا يتوقف فقط على العلاقة بين (العرض والطلب) بل على علاقات أخرى اجتماعية أخلاقية كنظرتنا إلى الشخص الإنساني واعتباره وفكرتنا عنه وتقديرنا له من حيث هو إنسان
فواضح إذن من التحليل السابق كيف أن علم الاجتماع لا يدرس مشكلة واحدة بل عدة مشاكل، بحيث لا يمكن لإنسان أن يلم بمشاكله جميعها، بل لابد من أن يتخصص في إحداها. وليس هذا يعني أن ليس هناك علم كلي تركيبي يجمع النتائج الهامة لكل فرع من هذه الفروع الجزئية؛ فإنه مهما كانت الظاهرات الاجتماعية مختلفة ومتعددة، فإنها ليست إلا أنواعاً لجنس واحد. ومن الممكن دراسة ما يؤلف وحدة الجنس وما يميز الظاهرة الاجتماعية في ذاتها. والعلم الذي يهتم بذلك هو علم الاجتماع العام الذي يستخرج القوانين العامة من الجزئيات. وهذا هو الجانب الفلسفي لعلم الاجتماع