بعد ما سبق يجب علينا أن نبين المنهج المتبع في دراسة هذا العلم
إن المشاكل الرئيسية في علم الاجتماع تتلخص في البحث عن كيفية تكوين نظام سياسي أو قانوني أو ديني الخ. . . وعن أسباب وجود تلك النظم. والتاريخ المقارن هو أحسن وسيلة تساعد الاجتماعي على حل هذه المسائل. فالنظم الاجتماعية معقدة أشد التعقيد ومركبة من أجزاء عديدة، فلكي نفهمها لابد لنا من أن ندرس كلا من هذه الأجزاء على حدة، لأننا لن نفيد شيئاً من دراسة النظام كاملاً على ما هو عليه الآن، بل لابد من الرجوع إلى بداية نشوئه ومتابعة تطوره خلال التاريخ ملاحظين ارتباط هذه الأجزاء المنفصلة بعضها ببعض حتى يصل النظام الاجتماعي إلى شكله الحالي. . . لنأخذ مثلاً لذلك ظاهرة القرابة وهي من الظاهرات التي تبدو بسيطة؛ فإننا حينما نحاول دراستها تظهر لنا لأول وهلة فكرة القرابة الأبوية؛ ولكننا إذا نقبنا خلال التاريخ ظهرت لنا فكرة أخرى وتصور آخر عن القرابة وهي القرابة التي تنتمي إلى الأم؛ فهناك عائلات نعرفها خلال دراسة التاريخ لا تعرف إلا هذا النوع الأخير من القرابة، ولا تلعب القرابة الأبوية فيها إلا دروساً ثانوية. ولكن القرابة الآن مزدوجة، تعتبر الناحية الأبوية كما تعتبر الأم، فكيف وصل هذا النظام إلى ذلك؟ هنا أيضاً نتبع خلال التاريخ مرور هذه الظاهرة في كلتا الحالتين خلال حضارات مختلفة، حتى يندمجا معاً ويصلا إلينا على هذه الصورة الحالية المزدوجة. فبالتاريخ إذن نفسر ونبين علل الظاهرات الموجودة؛ والتاريخ يلعب في نظام الحقائق الاجتماعية دوراً يماثل الدور الذي يلعبه الميكروسكوب في نظام الحقائق الفيزيقية
وبذلك يمكن القول إن علم الاجتماع هو إلى حد كبير نوع من التاريخ. والمؤرخ أيضاً يعالج الظاهرات الاجتماعية، ولكنه يعتبرها من ناحية خاصة من حيث تعلقها بشعب من الشعوب في زمن معين وفي مرحلة معينة من مراحل تطوره. أما الاجتماعي فإنه يحاول الوصول إلى علاقات عامة وقوانين كلية عن المجتمعات المختلفة. نعم قد يدرس دراسة خاصة ظاهرة ما مثل حالة الدين أو القانون مثلاً في فرنسا أو إنكلترا أو روما أو الهند في هذا القرن أو ذاك، ولكن مثل هذه الدراسات إنما هي في الواقع وسائل فقط للوصول إلى بعض عوامل الحياة الدينية على وجه العموم؛ ولذا فإن الاجتماعي يقارن في دراستين مجتمعات من نفس النوع أو بين مجتمعات من أجناس مختلفة ليتأدى إلى ما يريد