ترسينو يهذي. . . إلى آخر تلك السلسلة الصارمة من ألفاظ الهجاء. . .
إلا أن ترسينو ما فتئ يلح على مزاج أمته ويغازل ذوقها حتى استجابت له، وحتى أقبلت على مآسيه تستخفها وتسيغها، ثم تنسى بها المآسي المنظومة بالشعر الغنائي المقفى وتنسخها نسخاً
ثم نظم بالشعر المرسل فحول الشعراء الإيطاليون بعد ذلك، وفي مقدمتهم أريوستو الذي نظم به ملاهيه الرائعة كلها، وتاسو وجواريني وغيرهم
وقبل وفاة ترسينو بقليل، انتقل الشعر المرسل إلى إنجلترا، وذلك في أواخر عهد هنري الثامن، حينما ترجم هنري هوارد جزأين من إنيادة فرجيل إلى الإنجليزية بهذا الشعر
ثم استعمل الشاعران ساكفيل ونورتون الشعر المرسل لأول مرة في الدرامة الإنجليزية حينما ألفا درامتهما المشهورة (جوربودك التي لخصناها للقراء في فصولنا السابقة عن نشأة الدرامة الإنجليزية. ولم يكد ينتهي القرن السادس عشر حتى كان الشعر المرسل يستعمل استعمالا عالمياً واسع النطاق - إلا في العالم العربي طبعاً! - وفي جميع الأغراض المسرحية، وذلك بعد أن لقي في كل دولة من الدول الأوربية نفس ما لقي في إيطاليا من السخرية والاستهزاء. . . إذ ناهض النقاد الإنجليز مناهضة قاسية، ومع ذاك فقد هيأ الله له فيها شاعراً شابا فخم الديباجة حسن السبك مشرق البيان نقي الأسلوب، لا يلتوي ولا يغمض، ولا يتعمل ولا يغرب، فاستطاع أن يكبح جماح النقاد، وأن يرغمهم على احترام الشعر المرسل. . . ذاك هو مارلو العظيم الذي ألمعنا إلى جهوده الأدبية في كلماتنا السالفة؛ مارلو صاحب القريض الفريد أو أل: كما دعاه النقاد الساخرون أنفسهم فيما بعد
ثم تهيأ للشعر المرسل شكسبير الخالد، وذلك عندما أشرفت حياة مارلو على نهايتها، فقد نظم (سيدا فيرونا): ثم أردفها بروائعه المسرحية التي بهر بها الدنيا جميعاً حيث تجلت فيها مزاياه التي أكسبت اللغة الإنجليزية والأدب الإنجليزي والشعر الإنجليزي ذلك التفوق الذي سوف يخلد على وجه الزمان. أما هذه المزايا فأهمها الكمال والمرونة والتنوع أضف إلى ذلك الموسيقى التي لا تعرف القلق، ولا يعتريها النشوز أو (النشاز) بمعناها الاصطلاحي تلك الموسيقى التي لا غناء لأي نوع من أنواع الشعر عنها، لأنها روح الشعر ونظرته وجماله في الأذن وفي القلب معاً. . . ثم أضف إلى ذلك أيضاً افتنان شكسبير