وتمكنه من اللغة، وبصره بألفاظها، وذوقه الرفيع الناقد الذي كان أقدر الأذواق على تنخل هذه الألفاظ وتخيرها في غير التواء أو تقعر. هذا إلى خيال خصب وبيان متدفق ومقدرة فائقة على التنقل، وإلمام عجيب بالأصول المسرحية التي تنبع أول ما تنبع من البديهة العبقرية قبل أن ترتكز إلى مواضعات علمية
وقد لا يسر القارئ، بل ربما يضايقه جد المضايقة أن نخوض به في شيء من معميات العروض الإنجليزي، ذلك العروض السهل البسيط الذي لا يصح أن نقيسه إلى عروض الشعر العربي، ذلك العروض الصعب المعقد، إلا على الشعراء.
وبحسبنا هنا أن نذكر أن العروض الإنجليزي، بل كل أنواع العروض في اللغات الأوربية، إنما أساسها التفعيلة وليس أساسها الأبحر كما في العروض العربي
وبحسبنا أيضاً أن نذكر أنهم حينما يبدأون الكلام عن العروض الإنجليزي، أو عروض أية لغة أوربية، يقولون إن أشهر التفعيلات عندهم أربع. . . أربع فقط، في حين أن التفعيلات التي تتركب منها بحور العروض العربي كثيرة لا حصر لها؛ فمنها مستفعلن ومتفاعلن وفاعلن ومفاعلن وفاعلاتن وفعلن وفعولن ومفاعيلن ومفاعلتن. . . إلى آخر هذه الثبت الطويل الذي ليس فيه شهير وغير شهير، والذي يمد الشعر العربي بموسيقى لا نظير لها في أي من عروض أية لغة من لغات العالم من حيث الدقة في ضبط الميزان والمحافظة على النغم؛ فلدينا ستة عشر بحراً غير مجزوءاتها ومشطوراتها كل منه له موسيقاه ورقته وعذوبته. ونستطيع أن نجعل هذه الستة عشر بحراً ألفاً وألفين إذا أردنا ذلك، وهذا بتأليف نغم أساسه بعض التفعيلات التي اتفق عليها عروضيو العرب بحيث تتم لنا بحور جديدة موسيقية إن كان لابد أن نزيد في عدد البحور الموجودة عندنا
ولسنا الآن بسبيل الموازنة بين العروض العربي وألوان العروض الأوربي، ولهذا نعود إلى العروض الإنجليزي فنقول: إن نقاد الشعر من الإنجليز يقررون أن اللغة الإنجليزية تجري سهلة لينة طيعة حينما تنظم شعراً في البحر الأيامبي (أنظر الحاشية بأسفل الصفحة) وهو ذلك البحر الذي يتكون من خمسة تفعيلات إيامبيت - وقد اختار الشعراء هذا البحر لنظم الملاحم والدرامات لأنه متوسط الطول فهو يتألف من عشرة مقاطع (٥ تفعيلات مقطعين)؛ وقد فضلوه على البحور القصيرة التي تتألف من ثمانية مقاطع مثلاً