إذا كانت الدقة مستحبة في كل شيء على وجه العموم، فهي مستحبة في التعبير على وجه الخصوص. ولعل أول ما يميز التفكير العلمي الحديث انه تفكير دقيق لا يخلط بين المتشابهات ولا يعمى عن الفروق الصغيرة؛ فالدقة معيار هام في نظر العلم والفلسفة، والخلط مظهر لانعدام الروح العلمية. وقد نص المنهج العلمي على وجوب تحديد المعاني قبل البدء في الموضوع، وإقامة الفوارق بين الألفاظ قبل الشروع في استعمالها. ولكن الدقة اللفظية لا تتهيأ للكاتب إلا إذا أحاط بمعاني الألفاظ إحاطة وافية، فلذا يجدر بنا أن نأتي على ذكر معاني الألفاظ التي كثيراً ما يخلط بينها الناس، قبل أن نطالبهم بأن يفرقوا بينها تفرقة دقيقة محكمة
١ - فالناس كثيراً ما يخلطون بين النفس والروح، وفي هذا يقول التوحيدي:(وقد ظنت العامة وكثير من أشباه الخاصة أن النفس هي الروح، وأنه لا فرق بينهما إلا في اللفظ والتسمية، وهذا ظن مردود، لأن النفس جوهر قائم بنفسه لا حاجة بها إلى ما تقوم به، وما هكذا الروح، فإنها محتاجة إلى مواد البدن وآلاته)((المقابسات)، ١٠٦، ص ٣٧٢ ٣٧٣) (فالإنسان ليس إنساناً بالروح. بل بالنفس، ولو كان إنساناً بالروح، لم يكن بينه وبين الحمار فرق، بأن كان له روح ولكن لا نفس له. فليس كل ذي روح ذا نفس، ولكن كل ذي نفس ذو روح)((الإمتاع والمؤانسة) الجزء الثاني ص ١١٣)
٢ - وكثيراً ما يخلط الناس أيضاً بين العلم والمعرفة، ولكن التوحيدي يفرق بينهما فيقول إن:(المعرفة أخص بالمحسوسات والمعاني والجزئية، والعلم أخص بالمعقولات والمعاني الكلية، ولهذا يقال في الباري: يعلم، ولا يقال يعرف. . .)(المقابسة ٧٠، ص ٢٧٢)
٣ - ويفرق التوحيدي أيضاً بين لفظين يختلطان في الاستعمال العادي، وهما: الفعل والعمل. (فالفعل يقال على ما ينقضي، والعمل يقال على الآثار التي تثبت في الذوات بعد انقضاء الحركة)(المقابسة ٧٥) ولهذا التفرقة نظير في الفرنسية لأن الفعل يقابل كلمة والعمل يقابل كلمة
٤ - ومن الألفاظ التي يخلط بينها خلطاً ظاهراً، ألفاظ المشاركة وهي: المساواة، والمشابهة والمطابقة، والمجانسة، والمشاكلة، والمماثلة. وقد نص ابن سينا في (النجاة)(المقالة الأولى من الإلهيات) على الفروق القائمة بين هذه الألفاظ، فبين أن المساواة اسم المشاركة في