للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولنوزعها عليهم بالمجان. . . فلنحصيهم بها كما حصبونا بالحجارة ولا داعي مطلقاً لكتابة أسمائنا - نحن معشر الناظمين أو الكاتبين - عليها. ولتكن تضحيتنا في ذلك خالصة لوجه الوطن والأمم العربية ولوجه اللغة والأدب. الأدب العربي والأدب المصري على السواء. . . ولن نعدم كاتباً كصاحب هذا المقال يفاجئ الناس بالحق، ويذكر لهم أننا أصحاب هذه الدرامة والملاحم الضائعة. . . ومن يدري؟ فقد يأتي يوم يستسمح الناس فيه رجعتهم وتمسكهم بالقديم الرث. وقد يزيدون فينزعون عنهم ما نسج لهم المهلهل وذو الرمة وعلقمة النحل ليرتدوا أفوافاً من نسجنا نحن. . . وحينئذ لا نجد داعياً لهذا التخفي، بل ربما أصابنا طائف من الزهو والخيلاء فآثرنا ركوب الجمال ليرانا الناس جميعاً ويشار إلينا بكل بنان! وهل في ركوب الجمال شذوذ كشذوذ الشعر المرسل؟ وهل ركوبهن خروج على مألوف الناس كخروج الشعر المرسل على المألوف المعروف من قوافي الشعر العربي؟ ولماذا نعد ركوب الجمال شذوذاً وخروجاً على مألوف الناس مع أن المهلهل كان يركب الجمال، والمهلهل هو الذي هلهل الشعر فيما يهذمي مؤرخو الأدب العربي، وهو الذي جعل للشعر تلك القوافي المطردة إلى ما زال الناس في جميع العالم يستحلونها ولا يرون الفكاك من أغلالها، فلماذ لا نركب الجمال العالية كما كان يصنع المهلهل. . .

وندع المهلهل الذي لم يفرض على الناس شعره وقوافيه، ونعود إلى أبي حديد نسائله عن هذا الشعر المرسل، وعن طول حنينه إليه، وما باله يذكر النضال عن هذا الشعر عند ما تصدر مجلة الرسالة فينشر في سنتها الأولى استفتاء عاماً يجعل موضوعه ترجمة نثرية لخطبة أنطوني في درامة يوليوس قيصر لشكسبير - والترجمة بقلم الأستاذ الجليل محمد حمدي بك - ثم ترجمة للخطبة نفسها بالشعر المرسل بقلمه هو. . . فيما كان هذا الاستفتاء إذن؟ وفيم كانت محاولة إغراء الناس أو مغازلة أذواقهم بموضوع هذا الشعر؟ لقد كانت نتيجة الاستفتاء نصراً شبه كامل لشعر أبي حديد، فما الذي ثناه عنه يا ترى؟ وما الذي أقعده عن المضي فيه؟ ولماذا حرم أبو حديد أدبنا المصري الحديث من طرفه الرائعة، ومن روحه الدرامية الناضجة، ومن فكاهته العذبة السائغة، ومن فنه المسرحي المتفتح؟ لماذا تصدر درامته - (خسرو وشيرين) - دون أن تتشرف بحمل اسم صاحبها؟ صاحبها الثائر الأول الذي ينبغي أن يحفظ له تاريخ الأدب المصري هذا الجميل الخالد، وتلك اليد النقية

<<  <  ج:
ص:  >  >>