ولذلك كان اسم النحوي مرادفا لاسم الأديب، وألف العلماء كتباً في تراجم النحويين سميت باسم طبقات الأدباء، كما فعل ابن الأنباري في كتابه نزهة الألباء في طبقات الأدباء - وإذا قرأنا ترجمة من تراجم أساتذة النحو في عصوره الأولى كالمبرد والكسائي والفراء وابن جني بهرنا ما نرى من حفظهم وإتقانهم واطلاعهم على شعر العرب والمحدثين واستيعابهم لغة العرب، والملكة التي جاءتهم من مزاولة هذه اللغة؛ فما من غريب إلا وهم به محيطون، وما من شاهد أو مثل إلا وهم به عالمون، وما من أسلوب إلا وهم عارفون بمعناه قادرون على تخريجه
ولم يكن الأمر كذلك في النحو فقط بل كان أيضاً في البلاغة، فأول كتاب ألف في البيان العربي وصل إلينا هو البيان والتبيين لأبي عمر وعثمان بن بحر الجاحظ المتوفى سنة ٢٥٥ هـ وهو كتاب حوى من الأشعار والخطب والأحاديث والأمثال والمساجلات ما هو كفيل بتربية ملكة البيان، والكتب التي وضعت بعده كالبديع لابن المعتز، ونقد الشعر لأبي الفرج قدامة ابن جعفر، والصناعتين لأبي الهلال العسكري، كلها كتب ملئت بالشواهد والأمثلة، ومتنوع الأساليب، وقد عنوا بذلك ولزموه وحافظوا عليه ثقة منهم بأن كسب ملكة البيان إنما تكون بحفظ الأساليب التي استكملت شروط البلاغة، وابن الأثير في كتابه المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر حذر دارس كتابه أن يقتصر على القواعد التي في الكتاب، وأوجب عليه أن يكتسب الذوق الأدبي بالاطلاع على بيان العرب من منظوم ومنثور والإكثار من حفظه وممارسته ممارسة أساليبه؛ قال في مقدمة كتابه: ومع هذا فإني أتيت بظاهر هذا العلم دون خافية، وحمت حول حماه ولم أقع فيه، إذ الغرض إنما هو الحصول على تعليم الكلم التي بها تنظم العقود وترصع، وتخلب العقول فتخدع، وذلك شيء تحيل عليه الخواطر، لا تنطق به الدفاتر. واعلم أيها الناظر في كتابي أن مدار علم البيان على حاكم الذوق السليم، الذي هو أنفع من ذوق التعليم، وهذا الكتاب وإن كان فيما يلقيه إليك أستاذاً، وإذا سألت عما ينتفع به في فنه قيل لك هذا، فإن الدربة والإدمان أجدى عليك نفعاً، وأهدى بصراً وسمعاً، وهما يريانك الخبر عياناً، ويجعلان عسرك من القول إمكاناً، وكل جارحة منك قلباً ولساناً، فخذ من هذا الكتاب ما أعطاك، واستنبط بإدمانك ما أخطاك، وما مثلي فيما مهدته لك من هذه الطريقة إلا كمن طبع سيفاً ووضعه في يمينك لتقاتل به وليس