للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

غير طائل

لأننا عرفنا في هذه الفترة ما نسيغ وما لا نسيغ، فعدل الشعراء عن تجربة الشعر المرسل الذي تختلف قافيته في كل بيت وجربوا التزام القافية في المقطوعات المتساوية أو في القصائد المزدوجة والمسمطة وما إليها؛ فإذا هي سائغة وافية بالغرض الذي نقصد إليه من التفكير في الشعر المرسل، لأنها تحفظ الموسيقية وتعين الشاعر على توسيع المعنى والانتقال بالموضوع حيث يشاء

ومن ثم يصح أن يقال إن مشكلة القافية في الشعر العربي قد حلت على الوجه الأمثل ولم تبق لنا من حاجة إلى إطلاقها بعد هذا الإطلاق الذي جربناه وألفناه

ففي وسع الشاعر اليوم أن ينظم الملحمة من مئات الأبيات فصولاً فصولاً ومقطوعات مقطوعات، وكلما انتهى من فصل دخل في بحر جديد يؤذن بتبديل الموضوع، وكلما انتهى من مقطوعة بدأ في قافية جديدة تريح الأذن من ملالة التكرار. ويمضي القارئ بين هذه الفصول والمقطوعات كأنه يمضي في قراءة ديوان كامل لا يريبه منه اختلاف الأوزان والقوافي بل ينشط به إلى المتابعة والاطراد

وإذا كان الأوربيون يسغيون إرسال القافية على إطلاقها فليس من اللازم اللازب أن نجاريهم نحن في توسيع ذلك على كره الطبائع والأسماع، وبخاصة حين نستطيع الجمع بين طلبتنا من المتعة الموسيقية وطلبة الموضوعات العصرية. من التوسع والإفاضة في الحكاية والخطاب

وآية ذلك أننا نقرأ الشعر المرسل في اللغة الأوربية ولا نفتقد القافية بين الشطرة والشطرة أقل افتقاد

وقد خيل إلينا أننا ننساها ولا نفتقدها لأننا غرباء عن اللغة وعن مزاج أهلها. فلما سألنا الأوربيين في ذلك قالوا لنا إنهم لا يفتقدونها ويستغربون أن نلتفت إلى هذا السؤال، لأنهم هم لا يلتفتون إليه

وسواء رجعنا بتعليل ذلك إلى وحدة القصيدة عندنا وعندهم، أو إلى أصل الحداء في لغتنا وأصل الغناء في لغتهم، أو إلى غلبة الحسية في فطرة الساميين وغلبة الخيالية والتصور في فطرة الغربيين، فالحقيقة الباقية هي أننا نحن الشرقيين نلتذ شعرهم المرسل ولا نفتقد

<<  <  ج:
ص:  >  >>