وقبل أن نداعب أخانا مندور بما هو له أهل من المداعبة، وقبل أن نكشف الغطاء عما هاجه علينا وأحفظ صدره منا، نتناول تجهيلاته التي جهلنا بها، فنرى كيف أوقعتنا المقادير في ظلماتها حتى أعمتنا - والعياذ بالله - هذا العمى المطلق الذي لم تره غير عين صديقنا العزيز
عندما قلنا إن أساس العروض الأوربي هو التفعيلة لا البحر فهم حضرت صديقنا العروض المحترم أننا ننكر وجود البحور في الأعاريض الأوربية وعلى هذا بنى بحوثه القيمة، مع أننا ذكرنا كثيراً من هذه البحور في الحاشية التي أثبتناها في ذيل مقالنا وقلنا إن هذه التفعيلة هي أساس البحر (الفلاني!) ومن هذه التفعيلة ومن تلك يتكون البحر (الفلاني)، وإنما قصدنا بأن التفعيلة هي أساس العروض الأوربي أن الشعراء هناك أكثر حرية في استخدام هذه التفاعيل فلا يتقيدون بعددها في السطر (أو البيت) كما يتقيد شعراؤنا هذا التقيد الذي عبناه عليهم ولا نزال نعيبه عليهم. فمجرد (توهم) أننا ننكر وجود هذه البحور هو دليل الأعصاب الممزقة الموجدة التي تأكل قلب الصديق الحميم علينا للسبب الذي سنبينه بعد أن نرد ترهاته كلها. والمقال موجود أيها القراء بالرسالة (العدد ٥٣٨)، فقوله إذن إن كلامنا لا معنى له مطلقاً وهو كلام يشبه الهوس، ونحن مع ذلك نعذره لأن معرفتنا بالدافع الذي أطلق لسانه فينا يفقد العقلاء عقولهم. وقد منعنا من تناول هذه البحور بالشرح الذي شمر له صديقنا الحميم عن ساعد الجد ما قلناه في صلب المقال من (أنه ربما لا يسر القارئ، بل ربما يضايقه جد المضايقة أن نخوض به في شيء من معميات العروض الإنجليزي). . . وربما أوهم اقتضابنا هذا لذاك السبب أننا (إنما نوهم ونتوهم أننا نعرف شيئاً. . .) إلى آخر هذا السفه الذي نمر به كراماً لأن صديقنا الحميم قاله في ساعة من ساعات الانفعال الذي سنذكر سببه كما قلنا
ويعيب علينا السيد مندور أننا قرأنا المعلومات التي سقناها في كتيب من كتيبات العروض ثم استعنا في شرحها بالقاموس؛ وهذا، لو أنه حصل، لا يضيرنا قط، ولكنه يضير الصديق الحميم كثيراً، لأنه يدل على أنه كان فاقداً لتوازنه وهو يكتب هذا الهذر، إذ كيف يقرأ الإنسان في كتاب من كتب العروض، ثم يحتاج إلى القاموس مع أن كتب العروض الإنجليزي لا تترك صغيرة ولا كبيرة إلا تناولتها بالشرح. . . على أنني أفهم لماذا يعيب