وكان أبو العباس أحمد ماجدا ... جميل المحيا لا يبيت على وتر
كان ليالي الدهر كانت لحسنها ... وأشراقها في عصره ليلة القدر
وقال ابن أبي هاشم:
يا منزلاً لبني طولون قد دثرا ... سقاك صوب الغوادي القطر والمطرا
يا منزلاً صرت أجفوه وأهجره ... وكان يعدل عندي السمع والبصرا
بالله عندك علم من أحبتنا ... أم هل سمعت لهم من بعدنا خبرا؟
لبيك يا ابن أبي هاشم لقد سمعت لهم خبراً ولكن بعد ألف عام من شعرك: إذ في سنة ١٨٩٠ بينما كانت لجنة حفظ الآثار العربية تنقل بعض الأنقاض للمحافظة على هذا الجامع العتيق، عثرت على بعض قطع من الرخام، جمعت ورتبت فتألف منها اللوح الموجود الآن وهو بالكتابة الكوفية جاء فيها بعد آيات قرآنية ما يأتي:
(أمر الأمير أبو العباس أحمد بن طولون مولى أمير المؤمنين أدم الله له العز والكرامة، والنعمة التامة في الآخرة والأولى، ببناء هذا المسجد المبارك، الميمون من خالص ما أفاء الله عليه، لجماعة المسلمين ابتغاء رضوان الله والدار الآخرة، وإيثاراً لما فيه تسنية لدين، وألفة المؤمنين، ورغبة في عمارة بيت الله وأداء فرضه، وتلاوة كتابه، ومداومة ذكره، إذ يقول الله تقدس وتعالى: في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله. . .)
(في شهر رمضان من سنة خمس وستين ومائتين)
وقد أجمع العلماء على أن هذه الكتابة أقدم كتابة تاريخها ثابت معروف من كتابات الآثار العربية
رحم الله صاحب الجامع وطيب ثراه
وتقلبت الليالي وتعاقبت الدول ودخل القائد جوهر على رأس جيش من إخواننا أهل المغرب في خدمة دولة ناشئة ذات صولة ومجد وقوة، وكانوا أهل دعوة واتباع مذهب وإمامة. وقد دانت لهم دنيا المغرب، ونزلت على أرادتهم الأمم. ألم ترفع ألويتهم على سردينيا وصقلية؟ ألم تدفع لهم مدن إيطاليا الجزية؟ ألم يمخر أسطولهم عباب البحار؟ وفي يوم الجمعة ١٨ ربيع الآخر سنة ٣٥٩ هجرية، دخل القائد المنتصر بعسكر كثيف جامع