ابن طولون فأقام الجماعة، وجهر المؤذنون بآذان: حي على خير العمل فكان أول آذان شجي جهر به في أرض الكنانة، وصلى بالقوم عبد السميع بن عمر العباسي، وخطب الناس وأطال. ويذكر المؤرخون أنه جاء وعليه قلنسوة وطيلسان دبسي، وأنه زاد عقب الخطبة المعتادة ما يأتي:
(اللهم صلي على محمد المصطفى، وعلى علي المرتضى وعلى فاطمة البتول وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول، الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. اللهم وصل على الأئمة الطاهرين آباء أمير المؤمنين. ودعا للقائد جوهر، وجهر باسم الله الرحمن، وقرأ سورة الجمعة، والمنافقين في الصلاة، وقنت في الركوع فكان يوماً تاريخياً خالداً في حياة مصر العربية التي دخلت في طور جديد بدأنه بجامع ابن طولون
هذه ذكريات توحيها وقفة أمام المحراب الكبير، بأعمدته الرخامية ذات التيجان الأربعة، والتي تملك النفس حينما تنظر إلى ما هو من جمال الرخام الملون والفسيفساء المذهبة، ثم الكتابة الكوفية الفاطمية الفائقة الجمال في تنسيق الخط وتزهيره. فإذا اتجهت إلى اليمين، فهناك محراب آخر من العهد الفاطمي، عليه اسم الأفضل والمستنصر، وهناك غير ذلك من آثار ذلك العهد، فإذا مررت بها فاذكر أياماً لهم، وترحم عليهم، فقد جد الفاطميون وأنشأوا وصانوا ولهم الأيادي البيض. وهم إن اختلف الناس فيهم وتباينوا في الحكم عليهم فنحن في زمن تعالى عن نزعات الماضي