ونخوة الإمام صفة ثابتة له على كل فرض من الفروض التي تحوم حول هذه الرواية
فهي إذن شيء لا يجزم بنفيه
وهي إذا جزم بنفيها لا تغير الحقيقة النفسية التي أثبتناها للإمام أقل تغيير
وقد عرضنا نحن لرواية من قال إن الإمام علياً وضع أساس علم النحو فقلنا:(. . . وتواتر أن أبا الأسود الدؤلي شكا إليه شيوع اللحن على ألسنة العرب فقال له: اكتب ما أملي عليك، ثم أملاه أصولاً منها أن كلام العرب يتركب من اسم وفعل وحرف. . . إلى آخر ما جاء في تلك الرواية
والى هنا نحن نقرر الواقعة التاريخية ولا نزيد عليها، لأن المتواتر في كتب العرب هو هذا بلا مراء
ثم نعقب في عبقرية الإمام فنقول: (وهذه رواية تخالفها روايات شتى تستند إلى المقابلة بين اللغات الأخرى في اشتقاق أصولها النحوية ولا سيما السريانية واليونانية)
إلى أن نقول:(ولا يمنع عقلاً أن يكون الإمام أول من استنبط الأصول الأولى لعلم النحو العربي من مذاكرة العلماء بهذه الأصول بين أبناء الأمم التي كانت تخشى الكوفة وحواضر العراق والشام، وهم هنالك غير قليل، ولا سيما السريان الذين سبقوا إلى تدوين نحوهم وفيه مشابهة كبيرة لنحو اللغة العربية)
وفي اعتقادنا أن الحد الذي وقفنا عنده هو الحد المأمون في الشك والترجيح، وليس لنا أن نقول غير ما قلناه بغير دليل قاطع من الأسانيد الصحيحة
أما إذا اعتمدنا على المقاربة الترجيحية فالسريان أقرب إلى اللغة العربية والى الكوفة من اليونان، ومذاكرة الإمام لعلمائهم أقرب من مذاكرته لعلماء اليونان. ومن شاء بعد ذلك أن ينفي الروايات المتواترة نفياً قاطعاً فعليه الدليل
هذه أمثلة لمقياس الترجيح والتشكيك عندنا في مختلف الروايات وهو على ما نعتقد المقياس الوحيد المأمون؛ لأن الرواية التي نشك فيها لا تبطل شيئاً من الآراء التي نقررها سواء مضينا بالشك إلى التأييد أو إلى التفنيد. وليس لنا أن نتجاوز الشك إلى الجزم بغير برهان وثيق وسفد لا مطعن فيه