فهذه عشرون صفحة ليس فيها شيء! أقصد أن ليس فيها هفوات ولا غلطات، ولا هنات هينات! وإن كان كل ما كتب فيها كان حسبه من هذه الصفحات العشرين عشر صفحات أو خمس عشرة صفحة. . .
لا. . . ليس هذا عيباً. . . لأنك إن عددته عيباً فستضحك منك قراءك. . . ابحث عن شيء آخر. . . فالأسلوب جميل خلاب، والقصص مسترسل رائع، وحسب هذه الصفحات العشرين أو الثلاثين ما فيها من ذاك جميعه، فذاك جميعه هو الأدب. . . والأدب القصصي بنوع خاص
ما هذا؟ الدكتور طه حسين ينطق ناساً من عرب الجاهلية بما هو من القرآن، أو ما يقرب أن يكون من القرآن، ولما ينزل القرآن بعد؟! ما هذا الذي يقوله نسطاس لورقة بن نوفل: وظل الصبي يتيما عائلا ضالا. . . أليس في هذا الكلام (رائحة!) من القرآن في سورة الضحى؟. . . ومثل هذا شائع في الفصول التي تسبق مبعث النبي صلى الله عليه وسلم. . . وعلى ذكر (صلى الله عليه وسلم) هذه. . . لماذا آثر الدكتور أن يختصرها هذا الاختصار الذي يذهب بجمالها. . . (تلك الكلمة حلوة المجرى على اللسان، حسنة الموقع في القلب، خالدة في الدهر ما بقي الدهر)! لماذا يختصرها الدكتور هذا الاختصار صلعم؟ لماذا لا يقولها كما يجب أن تقال عظيمة كريمة رخيمة! كما قالها بعد ذلك مرتين أو نحوهما
لا. لا. . . ولا هذه أيضاً. . . إنما يجب أن تترك فصل نسطاس وورقة فلا تعيبه بشيء، لأنه من أروع فصول هذا لجزء الثالث، وإن يكن أروع منه هذا الفصل الذي انعقدت فيه أواصر الصداقة بين عمرو بن هشام - أو أبو جهل كما سوف يذكر لك - وبين أبو مرة، أو زعيم الأبالسة. . . ونقول أبو جهل وأبو مرة في موضع الجر عامدين كما تعمدهما المؤلف، وندع التأويل لكل قارئ لبيب. . .
بل قل إن أردت أن تنقد الهامش بشيء إن انتقال الدكتور من الرواية إلى التاريخ، ومن القصص الشائق إلى التحقيق العلمي بعد الصفحة الثانية والثمانين هو عمل لا يتفق وما أعلنه وأذاع به من أنه لم يكتب كتابه للمؤرخين. وقل إن الدكتور هيكل قد ذهب بالتحقيق العلمي كما ذهب الدكتور طه بإحياء السيرة وتجديدها، فما باله يحاول أن يكتب للعلماء