صفحة بالتمام والكمال لا يزيد عليها ولا ينقص منها؟! أليس هذا تأليف ميكانيكياً؟ فإن قلت إن هذا ليس من النقد في شيء. . . بل إن هذا هو العبث، وإنك جعلت عنوان مقالك (الدكتور طه حسين والشعر المرسل) وأنت إلى الآن لم تذكر لنا من أمر الدكتور طه حسين والشعر المرسل شيء. . . قلت لك. . . إن هذا هو أسلوب النقد في مصر اليوم، ولن أذكر لك شيئاً من أمر الشعر المرسل في هامش السيرة حتى تقرأ تلك القطعة الشائقة التي أختارها لك لترى رأيك فيها، ولتعترف معي بأن الدكتور طه حسين هو كاتب من أرق كتابنا وأسلسهم، وأقواهم بياناً: إقرأ إذن:
(أقبلت تسعي رويداً رويداً مثلما يسعى النسيم العليل، لا يمس الأرض وقع خطاها، فهي كالروح سرى في الفضاء، نشر الليل عليها جناحاً فهي سر في ضمير الظلام، وهبت للروض بعض شذاها فجزاها بثناء جميل، ومضى ينشر عنها عبيره مستثيراً كامنات الشجون، فإذا الجدول نشوان يبدي من هواه ما طواه الزمان، ردت الذكرى عليه أساه ودعا الشوق إليه الحنين، فهو طوراً شاحب قد يراه من قديم الوجد مثل الهزال، صحب الأيام يشكو إليها بثه لو أسعدته الشكاة، وهو طوراً صاخب قد عراه من طريف الحب مثل الجنون، جاش حتى أضحك الأرض منه عن رياض بهجة للعيون، ونفوس العاشقين كرات يعبث اليأس بها والرجاء، كحياة الدهر تأتي عليها ظلمت الليل وضوء النهار.)
هذا يا أخي هو ما أردت أن ألفتك إليه من بيان الدكتور طه، الذي ربما تكون قد سمعت عنه أنه ينظم الشعر، ولكنك لم تقرأ له شعراً قط. . . ومن يدري. . . فربما تكون قد قرأت له شعراً في غير كتاب من كتبه، ولكنك مررت به وأنت لا تدري أنه شعر، كما كنت عسيت أن تقرأ - على هامش السيرة - كله، من غير أن تتنبه إلى أنك قد قرأت فيها شعراً. . . وشعراً مرسلاً. . . هو هذا الشعر الذي نقلناه لك هنا. . . والذي كان السبب في هذه المقدمة التي لم يكن لها (داعي!) كما نقول في كلامنا الدارج. . .
حقيقة لم يكن لمقدمتنا الطويلة التي سقناها (داعي!) مطلقاً. . . فنحن كما يعرف القراء من تلاميذ الدكتور المعجبين به، الأوفياء له. . . وليس حقاً أننا كنا نقرأ على هامش السيرة بسوء نية. . . وليس حقاً أن الدكتور يغضب من أحد إذا نقده في حدود النقد المعقول، فلا يعمد إلى الهنات الهينات فيجعل من (حبتها قبة) أو من نمالها جمالاً. . . ولا يقول كما