ولهذا بحثنا عنه في عناية. والذي يبدو لنا هو أن هناك ارتكازاً على المقطع الثاني من التفعيل القصير (فعولن)، وأما التفعيل الكبير فيقع عليه ارتكازان أحدهما أساسي على المقطع الثاني والآخر ثانوي على المقطع الأخير في (مفاعيلن)، وقد رمزنا للارتكاز الأساسي بالعلامة (وللارتكاز الثانوي بالعلامة). ومن المعلوم أن الارتكاز لا يقع إلا على مقطع طويل ومن ثم نلاحظ أن هذا الوزن لا بد أن يسلم منه دائماً مقطع طويل بعد المقطع الأول القصير؛ فإذا لم يحدث ذلك انكسر البيت؛ فالمجموعة (٧ - ) الموجودة في أول كل تفعيل من البحر الطويل هي النواة الموسيقية للبيت وهي عبارة عن وتد مجموع في لغة الخليل
ومن عودة الارتكاز على هذا المقطع من كل تفعيل يتكون الإيقاع، لأنه كما قلنا عبارة عن عودة ظاهرة صوتية ما على مسافات زمنية محددة
وإذن فاستقامة الوزن أو عدم استقامته لا يعود إلى الكم الذي تؤثر فيه الزحافات والعلل تأثيراً ظاهرياً فقط إلا إذا نتج عن هذه الزحافات والعلل فقدان للنواة الموسيقية التي تحمل الارتكاز
ولكن هل ينتج عن ذلك أن الشعر العربي شعر ارتكازي بمعنى أن مقاطعه تتميز بأنه تحمل ارتكاز ضغط أو لا تحمله؟ الجواب أيضاً بالنفي، في المقاطع العربية كما تحمل الارتكاز تتميز بالكم كذلك؛ وإذن فالشعر العربي يجمع بين الكم والارتكاز وربما كان هذا سبب تعقد أوزانه
ونلخص طبيعة الأوزان العربية بأنه تتكون من وحدات زمنية متساوية أو متجاوبة هي التفاعيل، وأن هذه التفاعيل تتساوى أو تتجاوب في الواقع عند النطق بها بفضل عمليات التعويض سواء أكانت مزحفة معلولة أو لم تكن، وأن الإيقاع يتولد في الشعر العربي من تردد ارتكاز يقع على مقطع طويل في كل تفعيل ويعود على مسافات زمنية محددة النسب، وعلى سلامة هذا الإيقاع تقوم سلامة الوزن
وهكذا ننتهي في هذا المقال إلى ما انتهينا إليه في المقال السابق من قيام كافة الأشعار على عنصري الكم والإيقاع؛ وأما موضع الاختلاف بين الأشعار المختلفة فهو في كيفية تحقيق هذين العنصرين.