كسر الأستاذ العقاد كتابه على عشرة فصول بعد التقديم ختمها بفصل عنوانه (صورة مجملة) جرى قلمه فيها كلها بما عهدناه من قبل في عبقرياته التي سبقت من حيث البحث العميق والدرس الدقيق مما كنا نود أن نعطيه حقه من البيان ونوفيه قسطه من الإشادة، ولكن المقام لا يتسع فلنجتزئ بكلمة صغيرة عن فصل البيعة الذي هو أروع فصول الكتاب
مهد المؤلف لهذا الفصل بفصل آخر عن عصر الإمام قال فيه إنه لم يكن عصر خلافة بل كان عصراً عجيباً بينما تقدمه وجاء في أعقابه؛ فلم يثبت كل الثبوت ولم يضطرب كل الاضطراب فكان في ناحية كل عوامل الرضا عن النظام الاجتماعي، وفي ناحية أخرى كل عوامل التذمر من هذا النظام، ومضى يبين أسباب استقرار النظام في الجانب الذي كان من نصيب معاوية؛ فذكر أن الشام كان أرضاً أموية من يوم أن لجأ إليها في الجاهلية أمية جد الأمويين وما جاء بعده من أبنائه متجرين أو مهاجرين إلى أن تولى إمارتها يزيد بن أبي سفيان من قبل أبي بكر الذي جاء بعده معاوية من قبل عمر ذلك الدرهي الذي قضى زمناً طويلاً لا يعمل عمل الوالي، ولكن يعمل عمل صاحب الدولة التي يقيمها لنفسه ولأولاده من بعده. وكانت وسيلته في ذلك أن يغمر الناس بالأعطية، السوقة منهم والشرفاء. وقد بلغ من دهائه أن طوى عقيلاً أخا علي بعطائه، أما المخالفون له فكان جزاءهم العقاب والنفي، ثم أخذ يصف الجانب الآخر الذي كان يتولاه علي؛ فقال إنه كان مصاباً بعلل التنافس بين العواصم والتبرم من العيش والتطلع إلى الخلافة وما تكنه العبيد والموالي لقريش بله ما وراء ذلك كله وهو المال الذي كان في يد معاوية وحده
ولما أنشأ يتكلم عن بيعة علي قال إنه بويع بالخلافة بعد حادثة من أفجع الحوادث الدامية في تاريخ الإسلام وهي مقتل عثمان؛ وأخذ يحلل الحوادث التي أفضت إلى قتل هذا الخليفة وموقف علي من هذه الجريمة، وناضل ببراهين قوية عن هذا الموقف، وانتهى من نضاله إلى أن علياً - لم يكن يقدر على اجتناب هذا المصير من معاوية أو من عثمان نفسه - وأنه صنع غاية ما يصنع رجل معلق بالنقيضين، مسئول عن الخليفة أمام الثوار، ومسئول عن الثوار أمام الخليفة، وإنه كان يعالج داء (استعصى دواؤه وابتلى به أطباؤه). ثم أخذ بعد ذلك يناقش الذين خرجوا في وجهه يطالبون - بزعمهم - بدم عثمان، فقال عن طلحة