والزبير إنهما كانا يمهدان أثناء حياة عثمان لتولي الخلافة؛ أما عائشة فقد كانت تنادي بقتل عثمان وتود أن يتولى الخلافة طلحة لأنه من قبيلتها أو الزبير لأنه زوج أختها
وعلى أنه قد درس موقف هؤلاء الثلاثة الذين كانوا يتآمرون على عثمان قبل قتله، ثم خرجوا على علي بعد ما تولى وأبان وجه الحق في ذلك فإن قلمه كان رفيقاً بعائشة فلم يجر بشيء من مؤاخذاتها
وقد عرض المؤلف لما قام بين علي ومعاوية من خلاف فاستقصى أسبابه البعيدة والقريبة وانتهى إلى أن أمر معاوية لم يكن كما يبدو في ظاهره من أنه كان من أجل عثمان وإنما كان من أجل أبهة الملك وسلطان الحكم، وقضى بحق أن هذا الخلاف لم يكن بين علي ومعاوية وإنما كان (بين نظامين متقابلين وعالمين متنافسين، كان صراعا بين الخلافة الدينية كما تمثلت في علي، والدولة الدنيوية كما تمثلت في معاوية) ولا ريب في أن يكون الغلب للدولة الدنيوية، لأن هذه هو ما تقضي به طبائع النفوس وغرائز الأمم. ولقد صدق عمرو ابن العاص في قوله:(لا يصلح لهذا الأمر إلا رجل له ضرسان يأكل بأحدهما ويطعم بالآخر)
وقد انتهى كاتبنا من دراسته لتاريخ هذا الإمام إلى أنه (هو الذي شاء القدر أن يجعله فدية للخلافة الدينية في نضالها الأخير مع الدولة الدنيوية) وأجمل صورته في أنه كاد (صورة المجاهد في سبيل الله بيده وقلبه وعقله أو صورة الشهيد)
ولنقف عند هذا الحد كما وعدنا إذ لا نستطيع أن نبين كل ما تناوله قلم العقاد من بحث وما نفذ إليه من استقصاء
بقيت أشياء لابد من ذكرها والإبانة عنها حتى نبلغ من كلامنا ما نريد، وذلك أني عثرت وأنا أقرأ ببعض ألفاظ كنت اقف عندها مثل لفظ (تعلاه ص ٤٠) و (حانقين ص٥٥) و (فشل ص٨١ و٩٦ و١١٠ و١٢٦) وقد رجعت إلى معاجم اللغة التي بين يدي في اللفظ الأول فوجدته من لغة طي، وإذن يكون استعماله جائزاً؛ أما اللفظان الآخران فإني أرجع فيهما إلى الأستاذ العقاد وأسأله:
هل يجوز استعمال كلمة (فشل) في معنى أخفق وخاب وإن يأتي اسم الفاعل من حنق على حانق هذا إذا لم تكن هذه اللفظة من أخطاء الطبع التي كثرت في هذا الكتاب على غير ما