لغة البهاء زهير لغة شاعر عريق في المصرية، ولولا إجماع المؤرخين على أنه ولد بالحجاز لكان من الحتم أن نفترض أنه ولد في قرية مصرية من قرى المنوفية، فكيف نصدق أن أهله حجازيون؟
لقد رأينا رجالاً نشأوا بالشام أو لبنان، ثم هاجروا إلى مصر فعاشوا فيها سنين وسنين، إلى أن استمصروا بحكم القانون، ومع هذا بقيت ألسنتهم وأخيلتهم شامية أو لبنانية، فكيف جاز أن يكون هذا الحجازي أعرق في المصرية باللغة والروح والخيال؟
أنا أرجح أن تكون أسرة البهاء زهير مصرية لا حجازية، وإن كانت عربية العرق، وأرجح أنها انتقلت من مصر إلى الحجاز للتجارة، بدليل أنها لم تنتقل من الحجاز إلا إلى قوص، وكانت مدينة قوص ملتقى القوافل الواردة من الهند والحبشة واليمن والحجاز، وملتقى الحجاج من المغاربة والمصريين
ويمكن أن نقول إن أسرة البهاء هاجرت إلى الحجاز لتنضم إلى جماعة المجاورين، والمجاور في الاصطلاح القديم هو من يجاور الحرم النبوي، وبه وصف المجاور للحرم الأزهري في القاهرة، أو الحرم الحيدري في النجف. وفي القاهرة مقابر تسمى (قرافة المجاورين) من باب التشريف، فما انحطت كلمة مجاور إلا في عصور الانحطاط
ويرجح هذا القول أن مصطفى باشا رأى في أحد المخطوطات أن والد البهاء وصف بـ (العارف محمد، قدس الله روحه) و (العارف) كلمة لم يكن ينعت بها غير المعروفين بالتنسك والتصوف
ولا يقدح في هذا القول ما صار إليه البهاء من الإقبال على المناصب الدنيوية، فالرأي الغالب عند أسلافنا أن طلب الدنيا لا يغض من قيمة التمسك بالدين، ما دام طالب الدنيا حريصاً على التحلي بمكارم الأخلاق
إن البهاء مصري اللغة والروح، مصري (ابن بلد) بلا جدال، فكيف نجعله من الحجازيين؟ وهل ينطبع الرجل على لغة بلد وعلى أوهامه وأحلامه وهو في الأصل غريب؟
وما هو الروح الحجازي في أشعار البهاء لو جعلنا أسرته حجازية الأصل، وأنها لم تعرف مصر إلا في أواخر القرن السادس؟
أنا أقدم هذا السؤال، وإن كان لا يخلو من ضعف، لأني أعتقد أن الحجاز لم تكن له قومية