محلية في العهد الإسلامي، فقد صار الملتقى لألوان من اللغات والآداب، منذ اليوم الذي صار فيه ملتقى لألوان من الأمم والشعوب
وجملة القول أني أرجح أن أسرة البهاء أسرة مصرية أقامت مدة في الحجاز، ثم رجعت إلى مصر، ولغة البهاء تؤيد هذا الترجيح، وقد تظهر في المستقبل أشياء نعرف بها صدق هذا الترجيح
لو عرف المؤرخون أن هذه القضية ستشغل الباحثين بعد أزمان لحدثونا بالتفصيل عن المنابت الأصيلة لدوحة البهاء
ذاتية البهاء
البهاء زهير ذاتية واضحة جداً، ذاتية نفسية وذاتية فنية. ولننظر هذه الأبيات:
أحبّ من الأشياء ما كان فائقاً ... وما الدُّون إلا من يميل لدون
فأهجرُ شربَ الماء غير مصفَّقٍ ... زُلالٍ وأكلَ اللحم غير سمين
وإن قيل لي هذا رخيصٌ تركتهُ ... ولا أرتضي إلا بكل ثمين
فهذه البيات ليست من البدائع، بالقياس إلى ما يمتدح به أكابر الشعراء، وهي مع ذلك من الطرافة بمكان، لأنها تصور المصري المتأنق في اختيار المطعوم والمشروب والملبوس
وللنظر قوله في معاتبة الأمير مجد الدين:
فيا تاركي أنوي البعيد من النوى ... إلى أي قوم بعدكم أتيممُ
ألا إن إقليما نَبَتْ بيَ دارُهُ ... وإن كَثُر الإثراء فيه لمعدم
وإن زماناً ألجأتني صروفُهُ ... فحاولتُ بُعدي عنكمُ لمذَّممُ
وأعلم أني غالطٌ في فراقكم ... وأنكمُ في ذاك مثلي وأعظم
فلا طاب لي عنكم مُقامٌ بموطنٍ ... ولو ضمَّني فيه المَقام وزمزم
ومثلك لا يأسى على فقد كاتبٍ ... ولكن يأسى عليك ويندم
فمن ذا الذي تُدنيه منك وتصطفي ... فيكتُب ما توحي إليه ويكتم
ومن ذا الذي ترضيك منه فطانةٌ ... تقول فيدري أو تشير فيفهم
وما كل أزهار الرياض أريجةٌ ... وما كل أطيار الفلا تترنم
فهذا عتاب نرى مثله عند المتنبي والأرجاني وابن دراج، والمعاني فيه مألوفة، إن لم نقل