مطروقة، ومع ذلك نجد فيها عذوبة بهائية زهيرية تشهد بأنها صادرة من شاعر خفيف الروح، رقيق الأسلوب
وهل رأيتم في تصوير (كاتم السر) وهو ما نسميه اليوم بالسكرتير أدق من هذين البيتين:
فمن ذا الذي تدنيه منك وتصطفي ... فيكتُب ما توحي إليه ويكْتُم
ومن ذا الذي ترضيك منه فطانةٌ ... تقول فيدري أو تشير فيفهم
هذا هو (السكرتير) المنشود، وكذلك كان البهاء
وإيمان البهاء بذاتيته إيمان متين، فهو يثق بنفسه وبفنه ثقة بصيرة، لا ثقة عمياء، ومن شواهد ذلك قوله في مخاطبة أحد الأمراء:
هذا زُهيرك لا زهير مزينةً ... وافاكَ هَرِماً على علاّتهِ
دَعْه وحولياته ثم استمع ... لزهَير عصرك حسن ليليّاته
لو أُنشِدَتْ في آل جفنة أضربوا ... عن ذكر حسّانٍ وعن جَفَناته
فهل رأيتم قبل البهاء من يعارض الحوليات بالليليات؟ هو شاعر الفطرة والطبع، فمن حقه أن ينتظر جود الخاطر في الليلة القصيرة بما لا يتيسر لغيره في الحمل الطويل
وللنظر كيف يمتدح بأخلاقه وأشعاره وهو صادق:
مذ كنت لم تكن الخيا ... نة في المحبة من خَلاقي
ولقد بكيتُ وما بكي ... تُ من الرياء ولا النفاق
برقيقة الألفاظ تح ... كي الدمع إلا في المذاقِ
لم تدرِ هل نطقت بها الْ ... أفواهُ أم جَرَت المآقي
لطُفتْ معانيها ورقَّ ... تْ والحلاوة في الرِّقاق
مصريةٌ قد زانَتها ... لطفاً مجاورة العراق
مصري ابن بلد
المصريون يسمون الفتى الحلو الفكاهة والدعابة (ابن بلد) وفي أشعار البهاء كثير من التعابير البلدية، وما نظرت في ديوانه إلا أيقنت أنه (من الناحية بلدنا) وهتفت:
يا زرع بلدي ... عليك يا وعدي
ويضيق المجال عن الإكثار من الشواهد، والمهم هو أن نرشد المتسابقين إلى هذا الجانب،