ثم خضنا في المسرح وفي التمثيل، وسألته لماذا لا يؤلف للمسرح المصري روايات تمثيلية، فسمعت منه الجواب الذي سمعته من خمسين أو ستين شاعراً مصرياً وكاتباً مصرياً. . . ليس عندنا مسرح. . . ويجب، إذا ألفنا، أن يكون تأليفنا على نوعين، فنوع للخاصة، ونوع للعامة. . . نوع للخاصة الذين يسعهم أن يفهموا القطع الخاصة الرفيعة وأن يتذوقوها، ونوع للعامة الذين لا يسعهم أن يفهموا القطع الخاصة الرفيعة ولا أن يتذوقوها. . . هكذا كان جواب الأستاذ الحكيم الذي لم تمض على معاهدة الصلح والسلام والمودة بيني وبينه غير دقائق. . . ولقد سكت على هذا الكلام لأني أردت أن أجعل منه مادة لهذا الحديث، لأني لا أحب مطلقاً أن ينعقد السلام بيني وبين هذا الرجل الذي أحبه جداً وأعجب به جداً، على حساب العامة. لأن تقسيم الجمهور المسرحي إلى خاصة وعامة هو أقتل سلاح نصوبه إلى صدر المسرح الذي نحلم بإنشائه، وكل محاولة لإنشاء هذا المسرح إن لم تعتمد على العامة - وهذا رأيي وعلي تبعته - قبل أن تعتمد على الخاصة، هي محاولة فاشلة، بل هي محاولة فيها إثارة لمشكلة الطبقات، بل هي محاولة للأزراء بسواد الشعب والانتقاص من ملكاته. . . على أن الأدب الذي يكتب للخاصة هو في رأيي أيضاً أدب لا يمكن أن يمثل أمة، بل هو أدب لا يمكن أن يمثل الخاصة نفسها، لأنها خاصة تتألف من عناصر متباينة، يتعاظل بعضها على بعض، ويبالغ بعضها في بز البعض الآخر في المظاهر الكاذبة التي ربما أخفت وراءها قدراً عظيماً من العقلية المقيدة التي ترسف في أغلال من الذهب. . . وفي وسع الأستاذ توفيق الحكيم أن يقول: إنما أنا أقصد الخاصة المتعلمة ذات المواهب، وأنا أرد عليه إذن بما قلته مراراً على صفحات هذه المجلة وهو أن التعليم وحده لا يستطيع أن يصنع الحاسة الفنية لشعب ما من الشعوب، فلقد كان العصر الذهبي للمسرح اليوناني في القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد في زمن لم ترتفع فيه نسبة المتعلمين في أثينا نفسها عن عشرة أو ستة عشر بالمائة، وكذلك الحال في رومة والحال في إنجلترا (في القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر) حينما كان المسرح الإنجليزي في أوجه إذ ذاك، وكان جل اعتماد المسارح اللندنية على الموارد التي تتدفق عليها من طبقات الشعب، وبالأحرى من سواد الشعب غير المتعلم. . . ومن الأمانة في نقل الحديث أن أذكر ما ذكره الأستاذ توفيق نفسه من أنه إنما يرى هذا الرأي لما لقيته