للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

آه يا صاحبي! لو أستطيع أن أغمض عيني مرة أخرى فلا ترى! ولكنها جناية المعرفة. جناية الوعي المتيقظ، جناية هذا العقل الإنساني الذي يسلبنا سعادة الإيمان، ثم لا يعوضنا إلى شقوة الشكوك.

لست ابغي الرجوع أيها الصديق؛ إنما أبغي قداسة الصنم المعبود. فهل فهمتني الآن؟ استغفر الإيمان. أعني هل أحسست ما يختلج في نفسي من أحاسيس؟

الانسياب

أتدري فيم أكتب إليك؟ إنه أمر غريب حقاً! إنني في حاجة إلى من يرد على إيماني بشعر (الحالات النفسية). إنني لفي شك مؤلم في هذا النوع من الشعر الذي أصبحت أراه محدود الآفاق.

أنني لا ألجأ إلى هذا الشك راضياً ولا مختارا. لقد أحببت (شعر الحالات النفسية) وآمنت به فترة طويلة؛ ولقد كان عندي لونا من ألوان المثل الأعلى للشعر الجديد.

فما عساي يا صاحبي أريد؟

أريد الانطلاق. أريد الانسياب في الطبيعة كأنني ذرة منها لا تحس لها كيانا مستقلا. أريد ألا أحس بالقصد والغاية، ولا بالحالات الواقعية المحدودة. إنني أكره (الوعي) لأنه نوع من الحدود!

أريد الهالات التي لا حد فيها بين الأضواء والظلال. أنكر شعري وشعر الكثيرين، لأنني لا أجد فيه ما أريد. وأخشى ألا يكون بين شعراء العالم من يلبي هذه الرغبة العميقة. من ينساب في إحساسه وفي تعبيره بلا حدود. أخشى أن تكون الموجة التي تغمرني ليست سوى شعور غامض غير قابل للتعبير عنه في لغة البشر المحدودة. إنها إذن تكون كارثة. ألا يوهب البشر نعمة التعبير عن هذا الشعور؟

(حلوان)

سيد قطب

<<  <  ج:
ص:  >  >>