للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وتنتشر في بلاد المؤلفين المصريين والصحافيين، وإن جمهرة العرب في هذا الشرق الأدنى يحلون علماء مصر وأدباءها وأهل الفن فيها من أنفسهم محلاً رفيعاً ما يكون له من المصريين أنفسهم، بل إننا لا نمن على إخواننا وجيراننا إذا كنا لا نغادر صغيرة ولا كبيرة من شئونهم إلا نحيط بها علماً، لأننا نجد في شعورهم وتفكيرهم صدى لشعورنا وتفكيرنا، وكما أن الشاميين عبروا بحفاوتهم وأقلامهم عن إعجابهم بالأدب والطرب يطرفانهم من نحو مصر، فإن شعراء النيل ما زالوا يرسلون قصيدهم في تحية الشام وبعث ذخائرها وأمجادها. ولقد زار دمشق في ماضيها القريب أمير الشعراء أحمد شوقي فملأ عينيه وروحه بمفاتنها ومباهجها، ورأى بتحديقة واحدة دنيا أمية راقدة تحت الثرى منبثة في هذه الربوع فبعثها في شعره الملهم إلى دنيا الحياة، ونظم فيها قصيدته الفريدة التي ناجى بها جلق وتغنى بماضيها الأغر المحجل، وفيها خلع على الشام أوصافاً لا تمحوها يد الحدثان. فيا لأمية في هاماتها وربواتها، في نيربيها وغوطتها! ويا لعظمة بردى مسلولاً كسيف من فضة يوزع الخصب والبركة، ويبدع الحدائق والظلال!

لقد كانت الشام مطوية المحاسن والمفاتن، كامنة الحنين إلى الأمجاد وعز الأجداد، حتى هاجها شوقي من مكامنها ورصع بها شعره الخالد، فهب الشاميون على شعر شوقي وترنموا به ورجعوه في مغانيهم، وفي مجالسهم ومدارسهم، واهتاجت مشاعرهم شوقاً إلى ضفاف النيل وحمى الأزهر وحصن الإسلام. وما اكتفى شوقي بشعره في وصف دمشق ومجاليها، بل سكب من قريحته بلسماً لجراحاتها فرثى من أجلها وبكى، وخلد ميسلونها؛ وحين تهدم بنيانها ناح شوقي على منازل العز وهي بأيدي البلى من أحياء دمشق

وما كان حافظ إبراهيم ضناناً بقريضه في مناقب الشام ومحامد أهليها وأنهم خير من رعى الجوار والإخاء. وقد أنشدهم بلهجته الساحرة قصيدته التي حيا بها من بالشام، حياه وتمنى أن تجري المودة طلقاً في أعراق الشرق كجريه الماء في الأفنان؛ وحدث سامعيه عن وجد النيل ببردى، وأهدى إليه أشواق ولهان وتحنان

ومن قبل هذه التحية الطيبة قال حافظ:

لمصر أم لربوع الشام تنتسب ... هنا العلى وهناك المجد والحسب

وقال:

<<  <  ج:
ص:  >  >>