إذا ألمت بوادي النيل نازلة ... باتت لها راسيات الشام تضطرب
ولكن الأدب في هذه البلاد ما زال عاتباً على غفلة المصريين عن أهله، ولطالما تواترت الملامة من أدبائنا لتفاضي مصر عن أدبهم وتصانيفهم حتى عدوا ذلك منها إغفالاً وإهمالاً. وقد اعترف بهذا التفريط أعلام الثقافة والأدب في وادي النيل، فكتب الدكتور عبد الوهاب عزام:(وليس الأمر بيننا تشابك أقوام واتصال أوطان فحسب، ولكنه الحب المؤكد والود الصريح ينطق عن السنة القوم ويتجلى في أساريرهم ويبين في أعمالهم ويشهد به اهتمام القوم بكل صغير وكبير في مصر وتحدثهم عن علمائها وأدبائها وأحزابها وقادتها حديث المحب العارف الخبير، وحرصهم على قراءة ما تخرجه مصر من كتب ومجلات وجرائد، وكثيراً ما نرى في الشام والعراق من يعلم عن مصر أكثر من أبنائها. (ثم على مصر ألا تتردد في الاستفادة بما في هذه البلاد من مزايا؛ فلا ريب أن فيها من الآداب والأخلاق والصناعات ما يجب علينا أن نتلقاه عنها ونحتذيها فيه)، وقال الدكتور طه حسين في حديث له عن الشرق العربي نشرته صحف كثيرة منذ بضعة أعوام وأشارت إليه (فنحن مثلاً نزعم لأنفسنا ويتفضل إخواننا الشرقيون فيزعمون لنا إننا قادة الرأي في الشرق العربي وزعماء النهضة الأدبية في العصر الحديث، ونحن نتأثر بهذا الغرور ونرى لأنفسنا حقوقاً ولا نكاد نشعر بما علينا من واجبات، نرى أن على الشرقيين أن يقرئونا وأن يتأثرونا ولا نكاد نشعر بأن علينا أن نقرأهم دائماً وأن نتأثرهم أحياناً)
على أن الحكومة المصرية الجليلة شعرت بهذا الغفول عن أدب الإخوان والجيران فأعدت العدة لتوحيد الثقافة في جميع البلاد العربية، وقررت تبادل المؤلفات والمعلمين والمعلمات بين الأقطار الشقيقة والمجاورة. أما أمنية الأدب الغالية في ربوع الشام فلم تحقق، وما يزال أدباء مصر يجهلون أدباءنا وآثارهم، ولا تكاد تجد في إحدى المكتبات المصرية كتاباً لأديب سوري أو لبناني في غير بلادهم وشاءت الأقدار في هذه الأيام أن تؤلف الهموم والخطوب بين الأقطار العربية فتسعى بالتعاون والتضامن إلى خير الإنسانية ونصرة الديمقراطية، وتطلعت مصر إلى أخواتها بمحبة وبهجة تستجلي الأماني والآمال، ومدت يدها تصافح الإخوان أو الجيران، فوجدت أن الأحداث لم تنل منالاً من أهل هذه البلاد وهم المؤمنون بعطف مصر ومساعيها النبيلة لنهضة العرب وبسط حضارتهم ونشر ثقافتهم؛ فهل يقيض